‏إظهار الرسائل ذات التسميات المائدة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المائدة. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 30 مارس 2015

(سورة المائدة) تفسير د.علي منصور الكيالي (2)

              ســورة المائدة (من اية 82 الى اخرها)

الخَـمْـرُ وَ المَيْسِـرُ وَالأَنْصَـابُ وَ الأزْلاَمُ :
( إنَّمَـا الـخَـمْـرُ وَالـمَـيْـسِـرُ وَالأَنْصَـابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْـسٌ مِـنْ عَـمَـلِ الـشَـيْطَـانِ فَاجْـتَنِبُوهُ )[ المائدة 90 ] ، الـخَـمْـرُ هو : كُلُّ أنْواعِ المُسْكِراتِ مَهْمَا كَانَتْ أسْمَاؤُهَا وَ أنْواعُهَا ، الـمَـيْـسِـرُ هو : كُلُّ أَنْواعِ القِمَارِ وَ المُراهَـنات ، الأَنْصَـابُ هي : هيَ كُلُّ الأشْكَالِ وَ الهَياكِلِ التي تُعْبَـدُ حَصْراً ، وَ تُقَدَّمُ لِهَـا القَرابينُ : ( وَ مَـا ذُبِحَ عَـلـى الـنُصُـبِ )[ المائدة 3 ] ، حَتَّى أَنَّ مَا يُذْبَحُ عَلى النُصُبِ غَيْرُ قَابِلٍ للتَزْكِيَةِ ، لأَنَّهُ قَدْ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله : ( أُهِـلَّ لِـغَـيْرِ اللّـهِ بِهِ )[ المائدة 3 ] ، ( فِسْـقَـاً أُهِـلَّ لِـغَـيْرِ اللّـهِ بِهِ )[ الأنعـام 145 ] ، الأَزْلاَمُ هي : كُلُّ وَسَائِلِ ضَرْبِ الحَـظِّ .
_ الرِجْـسُ : هُـو اخْتِـلاَطُ الأُمُـورِ ، وَ ضَـياعُ الصَحيحِ مِنْهَا : ( إنَّمَـا يُريدُ اللـّهُ لِـيُذْهِـبَ عَـنْكُـمُ الـرِجْـسَ أَهْـلَ الـبَيْتِ وَ يُطَـهِّـرَكُـمْ تَطْـهِـيراً ) [ الأحزاب 33 ] ، ( فَاجْـتَنِبوا الـرِجْـسَ مِـنَ الأَوْثَانِ )[ الحج 30 ] ، ( فَاعْـرِضُـوا عَـنْهُـمْ إنَّهُـمْ رِجْـسٌ )[ التوبة 95 ] ، ( كَـذَلِـكَ يَجْـعَـلُ اللّـهُ الـرِجْـسَ عَـلـى الـذينَ لاَ يُؤْمِـنُونَ )[ الأنعام 125 ] ، ( وَ أمّـا الـذينَ فـي قُـلُـوبِهِـمْ مَـرَضٌ فَزَادَتْهُـمْ رِجْـسَـاً إلـى رِجْـسِـهِـمْ )[ التوبة 125 ] .
أمَّا الرِجْـزُ : الكَسَلُ وَ العَـذَابُ وَ المُعَاناةُ : ( لَـهُـمْ عَـذَابٌ مِـنْ رِجْـزٍ أَلـيمٍ )[ سبأ 5 ][ الجاثية 11 ] ، ( وَ لَـمّـا وَ قَـعَ عَـلَـيْهِـمُ الـرِجْـزُ )[ الأَعراف 134 ] ، ( فَـأنْزَلْـنَا عَـلـى الـذينَ ظَـلَـمُـوا رِجْـزَاً مِـنَ الـسَـمَـاءِ )[ البقرة 59 ] ، ( و يُذْهِـبَ عَـنْـكُـمْ رِجْـزَ الـشَـيْطَـانِ ) [ الأنفال 11 ] ، فالشَـيْطَانُ إذَاً : لَدَيْهِ الرِجْسُ وَ الرِجْـز ُمَعَاً ، وَ اللّهُ بِكَرَمِهِ يُريدُ أَنْ يُذْهِبَهُمَا مَعَاً عن الناسِ .

( جَـعَـلَ اللّـهُ الـكَـعْـبَةَ الـبَيْتَ الـحَـرامَ )[ المائدة 97 ] :
تُعْتَبَرُ الكعبَـةُ مَرْكَزاً لِلحـقِّ في الأرضِ : ( جَـعَـلَ اللّـهُ الـكَـعْـبَةَ الـبَيْتَ الـحَـرامَ قِيامَـاً لِلـنَاسِ )[ المائدة 97 ] ، وَ الاتجاهُ نَحْوَ الكعْبَـةِ في الصَلَواتِ مِنْ كلِّ بِقاعِ الأرضِ ، يَجْعَلُ الكعْبَةَ في المركَـزِ ، وَ المصَلِّينَ مِنْ كُلِّ بِقاعِ الأرْضِ يُشَكِّلونُ حَلَقاتٍ دائِريَّةٍ حَوْلَهَا : ( وَ مِـنْ حَـيْـثُ خَـرَجْـتَ فَـوَلِّ وَجْـهَـكَ شَـطْـرَ الـمَـسْـجِـدِ الحَـرامِ وَ حَـيْثُ مَـا كُـنْتُمْ فَوَلّـوا وُ جـوهَـكُـم شَـطْـرَهُ ) [ البقرة 150 ] ، مِـنْ حَـيْـثُ خَـرَجْـتَ : في الصـلاةِ وَغَيْرِ الصَـلاَةِ لِلتَزَوُّدِ بالطَاقَةِ الصَادِرَةِ عَنْهُ .
لِذَلِكَ كانَتِ الكعبَـةُ مَرْكَزَ الحَـقِّ في الأرْضِ ، وَ بِما أنَّها تَتَوَسّـطُ اليابِسـَةَ فَيُمْكِنُ اعتِبارُهَا
مَركَزَ الأرضِ الجغرافيّ ، وَ قَدْ ذُكِرَتْ مَكّةُ في القرآنِ الكريمِ باسمها الصريح بِقَوْلِهِ تعالى : ( وَ هـوَ الـذي كَــفَّ أَيدِيَهُـمْ عَـنْكُمْ وَأَيْدِيَكُـمْ عَـنْهُـمْ بِبَطْـنِ مَـكَّـةَ )[ الفتح 24 ] .
وَ مَكّةُ : اسـمٌ يَخُصّ الحَرَمَ المَكيّ ، وَ يَمتَدُّ حَوالي [ 13 كم ] حَوْل المسجدِ الحَرامِ .
وَ إذا تَأَملْنا قَوْلَهُ تَعالى : ( جَـعَـلَ اللّـهُ الـكَـعْـبَةَ الـبَيْتَ الـحَـرامَ قِيَامَـاً لِلـنَاسِ )[ المائدة 97 ] ، لَبَـدا لَنـا أنَّ الكَعْبَـةَ هيَ أسَـاسُ المَنَـافِعِ بالنسبَةِ للنَاسِ عامَّـةً ، وَ للمسلمينَ خاصَّـةً وَ للحُجَّاجِ منْهمْ بوَجْهٍ أخَصُّ : ( لِـيَشَـهَـدوا مَـنَافِـعَ لَـهُـمْ )[ الحج 28 ] ، وَ أهَمُّ هذهِ المنافِعِ هيَ الحَنيـنُ للموْطِنِ الأصْليِّ ، فَلَدى جميعِ الكائناتِ الحيّةِ وَ مِنْها الإنسَانُ حَنينٌ عَجيبٌ لِمَوْطِنهَا الأصْليِّ ، فالسَلاحِفُ وَ سَـمَكُ السَلَمونِ وَ الطيورُ المهَـاجرةُ مَثَلاً ، كُلُّهَا تَعودُ لِموطِنِهَا الأصليِّ بَعْدَ طُـولِ هجْرَةٍ ، فَالناسُ في الحَـجِّ وَ العُمْرَةِ يَذْهبونَ إلى حَيْثُ يَشُدُّهُمُ الحنـينُ إلى المَوْطِنِ الأوَّلِ للإنسانيَّةِ إلى مَكَّـةَ : ( أُمَّ الـقُرى )[ الأنعام 92 ][ الشورى 7 ] ، فَمِنْ مَوْقِعِ مكَّةَ انتَشَرَتِ الإنسَانيةُ في الأرضِ ، وَإلى هَذا الموقِعِ تَعودُ بالحَـجِّ يَشُدُّها الحنينُ إلى نُقْطَةِ البَدْءِ هذهِ : ( وَ إذْ جَـعَـلْـنَا الـبَيْتَ مَـثَابَةً لِلّـنَاسِ وَ أَمْـنَاً )[ البقرة 125 ] ، مَـثَابَةً لِلّـنَاسِ : مَرْجِعـاً يرجعـونَ إليْـه .
لِذا يَكْفي إعْلانُ الحَـجِّ فَقَطْ حَتَّى يَتَوافَدَ الناسُ غَيْرَ عابِئـينَ بالمَشَقَّةِ وَ مَخَاطِرِ السَفَرِ وَ بُعْدِ المسَافَةِ : ( وَ أَذِّنْ فـي الـنَاسِ بالـحَـجِّ يَأْتُوكَ رِجَـالاً وَ عَـلـى كُـلِّ ضَـامِـرٍ يَأْتِيْنَ مِـنْ كُـلِّ فَجٍّ عَـمـِيقٍ )[ الحج 27 ] ، رِجَـالاً : مُشَـاةً على أرْجُلِهِمْ مُتَحَمِّلينَ مَشَـاقَّ السـيرِ ، وَ عَـلـى كُـلِّ ضَـامِـرٍ : رُكوباً على الحيواناتِ الضامِـرَةِ مِنْ طولِ السَفَرِ ، يَأْتِيْنَ مِـنْ كُـلِّ فَجٍّ عَـمـِيقٍ : دليلَ بُـعْدِ المسَـافَةِ مِنْ جهَةٍ ، وَ عُمْقِها مِنْ جِهَـةٍ أخْرى ، فَكلِمَةُ [ عميق ] دَليلُ كرويَّـةِ الأرْضِ .
و الكَـعْبَةُ هيَ رَمْـزُ وَحْـدَةِ المسلمينَ ، فَبِدونِهَـا لاَ يَقومُ لَـهُمْ ذِكْرٌ وَ لا شَـأْنٌ وَ لا حَيَـاةٌ ، وَ لَنْ تَنْمـو لَهمْ قـوَّةٌ إذا لَمْ يُعْطـوا هذا البَيْتَ العَـتيقَ قيمَتَهُ الحَقيقيّةُ ، وَ إعطاءَ شَعَـائِرِهِ أبْعادَهـَا الإنسانيـّةَ العامّـةَ : ( وَ مَـنْ يُـعَـظِّـمْ شَـعَـائِـرَ اللّـهِ فَـإنَّـها مِـنْ تَـقْـوى الـقُـلوبِ ) [ الحج 32 ] ، فَكُلُّ إنْسانٍ مُسْلِمٍ في العَـالَمِ ، يَسْتَطيعُ عِبادَةَ اللهِ الواحِدِ و الصلاةِ لَـهُ دونَ الخَوْفِ مِنْ أحَدٍ ، وَ يَتَوَجَّهُ إلَيْها وَ يَقْصدُهـَا المؤمِنونَ مِنْ كُلِّ بِلادِ العَالَمِ ، لِيَجِدوا فيها الأمْنَ وَ السلامَ المفْقودَيْنِ بيْنَ شُعوبِ الأرْضِ : ( أَ وَ لَـمْ يَـرَوْا أنَّا جَـعَـلْـنَا حَـرَمـاً آمِــناً وَ يُـتَـخَــطَّـفُ الـنَاسُ مِـنْ حَـوْلِـهـمْ )[ العنكبوت 67 ] ، ( أَ وَ لَـمْ نُـمَـكِّـنْ لَـهُـمْ حَـرَمـاً آمِـنـاً يُجْـبى إلَـيْهِ ثَمَـراتُ كُـلِّ شَـيْءٍ رِزْقَـاً مِـنْ لَـدُنَّـا )[ القصص 57 ] ، ( وَ مَـنْ دَخَـلَـهُ كَـانَ آمِـناً )[ آل عمران 97 ] ، وَ لِهذا أصْبَحَتْ مَكَّةُ مَرْكَزاً لِلثَقافاتِ العالَميَّةِ المتنوِعَةِ حَيْثُ يَحِجُّ إلَيْها المسلِمونَ مِنْ كلِّ بِلادِ العَالَمِ عَلى اختِلافِ أجْناسِهِمْ فهيَ أهَـمُّ مَرْكَزٍ دِينيٍّ عالَميٍّ .
وَ الكَـعْبَةُ لُغَـةً : هيَ الغُرْفَـةُ المرَبَّـعَةُ ، فَهيَ بِنـاءٌ مُكَـعَّبُ الشَـكْلِ ، ارتِفاعُهَـا 16 متـراً ، وَ طـولُ ضِلْعِهـَا الذي يحـوي البـابَ = 12 متـر ، وَ طولُ ضِلْعِها لذي يّحوي [ الميزابِ و هو مزرابُ السطحِ ] = 10 متر وَ 10 سم ، يَرْتَفِـعُ بابـُها مترَينِ عَن الأرضِ وَ يَتَّجِهُ للشِمالِ الشَرْقيِّ ، وَ تُسَمَّى زَواياهَـا أرْكانٌ ، وَ الركْنُ الذي عَلى يَسَارِ البابِ يَحْتَوي الحَجَـرَ الأسْـوَدَ عَلى ارتفاعِ مترٍ وَ نِصْفٍ ، وَ هيَ بِنـاءٌ مِنَ الحَجَرِ الرَماديِّ ، وَ الزاويةُ الشماليّةُ تُسمّى العراقيّـةُ ، و الغربية تُسَمّى السـوريّةُ ، وَ الجنوبيّـةُ تُسمّى اليمنيّـةُ ، وَ يَقَعُ الحَطيمُ في جِهَتِها الغربيّةِ .
كانَتِ الكعْبَةُ قائِمَةً قَبْلَ إبراهيمَ عليهِ السلام ، لَكِنَّها كانَتْ مُنْدَثِرَةً ، فَأمَرَ اللهُ نَبِيَّـهُ إبراهيمَ بإعادَةِ بِنائِهـا في مَكانِها السابِقِ : ( وَ إذْ بَـوَّأْنَـا لإبـراهـيـمَ مَـكَــانَ الـبَيْـتِ )[ الحج 26 ] ، وَ ذَلِكَ : ( بِـوَادٍ غَـيْـرِ ذي زَرْعٍ )[ إبراهيم 37 ] ، عَلى مُفْتَرَقِ طرُقِ القوافِلِ ، فَبَنى بِمُسَاعَدَةِ ابْنِـهِ إسْماعيل عليهما السلام قَواعِدَهَـا فقطْ : ( وَ إذْ يـرْفَعُ إبراهـيمُ الـقَـواعِـدَ مِـنَ الـبيتِ وَ إسْـمَـاعِـيلَ )[ البقرة 127 ] ، وَ كانتْ بِدونِ سَقْفٍ ، وَ ارتِفاعُهَا حوالي مترين حَتَّـى سَقَفَها [ قُصَيُّ بن كِلاب ] في القرن الثاني قَبْلَ الهجرَة ، وَ رَفَعَ بابَهَا حَوالي مترَين ، وَأخْرَجَ مِنْها حِجْرَ إسْماعيلَ [ الحَطيمُ ] ، وَ قَدْ أعَادَتْ قُرَيْـشُ بِناءَ هَا بَعْدَ أنْ تَصَدَّعَتْ جدْرانُهَا ، بِسَبَبِ سـَيْلٍ جَارفِ أصَابَها مِنْ بَعْـدِ حَريقٍ ، حيثُ شَـارَكَ الرسولُ الكريمُ صلى اللهُ عليهِ وَ سلَّم ببنائِهَا ، وَ وَضَعَ الحجَرَ الأسـوَدَ مَكانَهُ ، وَ كانَ عمرُهُ الشَريفُ وَقْتَ ذاك 35 عَامَاً ، وَ كَانَ آخِرُ بِنَاءٍ للكَعْبَةِ وَ الذي يَطُوفُ حَوْلَهُ المُسْلِمُونَ الآنَ قَدْ تَـمَّ في عَام 1040 هجريّةِ المُوافِقُ عامَ 1630 ميلاديّةٍ

( مَـا جَـعَـلَ اللَّـهُ مِـنْ بَحِـيرَةٍ وَ لاَ سَـائِبَةٍ وَ لاَ وَصِـيْلَـةٍ وَلاَ حَـامٍ )[ المائدة 103 ] :
_ البَحيِـرَةُ : إذا وَلَدَتِ الـدَابَّةُ خَمْسَـةَ أبْطُنٍ ، وَ كَانَ الوَلَدُ الخَامِسُ ذَكَـراً ، ذُبِحَ وَ أكَلَهُ الرِجَالُ وَالنِسَاءُ ، أمَّـا إذا كَانَ الوَلَدُ الخَامِسُ أُنْثى ، بَحَروا - شَقُّوا - أُذُنَهَا وَ يَحْرُمُ أكْلُهَا عَلى النِسَاءِ .
_السَـائِبَةُ : يُنْذَرُ الحَيَوانُ للرَجُلِ إذَا شُـفِيَ مِنَ المَرَضِ أوْ أوْصَلَهُ لِهَدَفِهِ فإنَّ الحَيَوانَ يُتْرَكُ سَـائِبَاً لاَ يُرْكَبُ وَلاَ يُذْبَحُ وَ اَ يُمْنَعُ مِنَ الرَعْي حَيْثُ يَشَـاءُ .
_ الوَصِـيلَةُ : إذا وَلَدَتِ الدَابَّةُ سَـبْعَةُ أبْطُنٍ ، وَكَانَ السَابِعُ ذَكَراً ذَبَحُوهُ ، وَإنْ كَانَتْ أُنْثى تُرِكَتْ ، وَ إنْ كَانَ البَطْنُ السَابِعُ تَوْأمَـاً [ ذَكَراً وَ أُنْثى ] ، قَالُوا : وَصَلَتْ أخَاهَا ، فَلَمْ تُذْبَحْ . _ الحَـامُ : الفَحْـلُ الذَكَرُ ، إذا نَتَـجَ مِنْ صُـلْبِهِ عَشَـرَةُ وِلاَدَاتٍ ، قَالُوا : حَمى ظَهْـرَهُ ، فَلاَ يُذْبَحُ وَ لاَ يُرْكَبُ وَ يُتْرَكُ حُـرّاً .

 كل هذا والله اعلم

الأحد، 29 مارس 2015

(سورة المائدة) تفسير د.علي منصور الكيالي (1)

            ســورة المائدة (من اية 1 الى 81)


أوْفـوا بالعُـقُـودِ :
نُلاَحِظُ عَلى الآيَةِ الأُولى مِنْ سُورَةِ المَائِدَةِ : ( يَا أيُّهَـا الـذينَ آمَـنُوا أَوْفُوا بِالـعُـقُـودِ أُحِـلَّـتْ لَـكُـمْ بَهِـيْمَـةُ الأنْعَـامِ )[ المائدة 1 ] ، العُقُودُ هُنا لَيْسَتْ العُقُودُ التجاريّة ، لأنَّ : [ عَقَدَ ] عُنُقَ الدابّةِ أيْ : لَواهَا وَ هَيَّـأَها لِلْذَبْحِ الحـلالِ ، فأصْبَحَ المَعْنى : يا أيُّهَا الذينَ آمَنوا إذَا ذَبَحْتُمْ على الطريْقَةِ الإسْلاميّةِ [ مِنَ العُنُقِ ] ، سَتَكونُ بَهيمَةُ الأنْعامِ حلالاً عَلَيْكُمْ ، وَ إذا ذَبَحْتُمْ على أيِّ طريقَةٍ أُخْرى كالصَعْقِ الكهْربائِيِّ ، فإنَّ الذبْحَ لَنْ يَكُونَ حلالاً ، وَ لِذَلِكَ نَقُولُ : [ عِقْد المرْأةِ ] لأنَّهُ يُوضَعُ في العُنُقِ ، وَ عَقْدُ الشَيْءِ : وُجُوبُهُ وَ أحْكامُهُ وَ مِنْهُ العَقيـدَةُ ، وَ قَدْ رَكَّزَت الآيَةُ الكريْمَةُ عَلى أنْ يَسِيْلَ الدَمُ مِنَ رَقَبَةِ الدابَّةِ حَصْراً ، وَ لَيْسَ مِنْ أيِّ مَكانٍ آخَرَ مِثْلَ الدابَّةِ التي أكَلَهَا حَيَوانٌ مُفْترِسٌ ، وَ قَدْ تَمَّ إيْضَاحُ تحريم أكل أنواع من الحيوان ماتت بالطرق المختلفة ما عدا الذبح الحلال ، في الآيَةِ الكريمَةِ التالية : ( الـمَـوْقُوذَةُ وَ الـمُـتَرَدِّيَةُ وَ الـنَطِـيحَـةُ وَ مَـا أكَـلَ الـسَـبْعُ إلاّ مَـا ذَكَّـيْتُمْ )[ المائدة 3 ] ، الـمَـوْقُوذَةُ : المضروبة بآلةٍ ثَقيلَة ، الـمُـتَرَدِّيَةُ : سقطت من مكان عالٍ ، الـنَطِـيحَـةُ : ضربها حيوان آخر بِقُرونِـهِ ، مَـا أكَـلَ الـسَـبْعُ : حيوان مفترس ، أيْ لاَ بُدَّ مِنَ التذْكِيَـةِ وَ هي : الذَبْـحُ الحلال ، فالطَعَـامُ الفَاسِـدُ يُفْسِـدُ الجِسْمَ ، وَ يُعْطِيْهِ طَاقَـةَ [ احْـتِراق ] وَ لَيْسَ طَاقَـةَ [ إئْـتِـلاق ] .

( الـهَـدْيَ وَ الـقَـلاَئِـدَ )[ المائدة 97 ] :
الهَـدْيُ : هُوَ الذَبَيحَةُ التي تُهْدى إلى الكَعْبَةِ ، وَ مِثْلُهُ القَلاَئِدُ حَيْثُ تُوضَعُ القِلاَدَةُ للذَبيحَةِ كَإشَارَةٍ : ( يَا أيُّهَـا الـذينَ آمَـنُوا لاَ تَحِـلُّـوا شَـعَـائِرَ اللّـهِ وَلاَ الـشَـهْـرَ الـحَـرامَ وَ لاَ الـهَـدْيَ وَ لاَ الـقَـلاَئِـدَ وَ لاَ آمِّـينَ الـبَيْتَ الـحَـرامَ )[ المائدة 2 ] ، ( وَ الـهَـدْيَ وَ الـقَـلاَئِـدَ )[ المائدة 97 ] ( هَـدْيَاً بَالِـغَ الـكَـعْـبَةِ )[ المائدة 95 ] ، ( حَـتّى يَبْـلُـغَ الـهَـدْيُ مَـحِـلَّـهُ )[ البقرة 196 ] ، ( هُـمُ الـذينَ كَـفَروا وَ صَـدُّوكُـمْ عَـنِ الـمَـسْـجِــدِ الـحَــرامِ وَ الـهَـدْيَ مَـعْـكُـوفَاً أَنْ يَبْـلُـغَ مَـحِـلَّـهُ )[ الفتح 25 ] ، مَـعْـكُـوفَاً : ثَابِتَـاً مَكَانَهُ ، أَنْ يَبْـلُـغَ : مَمْنُـوعٌ أنْ يَبْلُغَ ، مَـحِـلَّـهُ : مَكانَ ذَبْحِـهِ ، ( فَإنْ أُحْـصِـرْتُمْ فَمَـا اسْـتَيْسَـرَ مِـنَ الـهَـدْيِ )[ البقرة 196 ] ، أُحْـصِـرْتُمْ : مُنِعْتُمْ مِنَ الحَـجِّ أوِ العُمْـرَةِ لأيِّ سَبَبٍ كَانَ .

( فَاغْسِـلُـوا وُجُـوهَـكُـمْ وَ أيْـدِيَكُـمْ إلـى الـمَـرافِقِ وَامْــسَـحُـوا بِـرُؤوسِـكُـمْ وَأرْجُـلَـكُـمْ ) [ المائدة 6 ] :
عِنْدَمَـا يَدْخُلُ ضَوْءُ النَهَـارِ إلى الغِلاَفِ الجَوّي لـلأرْضِ ، فَإنَّ إحْدى هَذه طَبَقَاتِ الغِلاَفِ وَ هيَ طَبَقَةُ الأيونوسفير تَتَأيَّنُ [ تَتَكَهْرَبُ ] ، وَ تَسْتَقْبِلُ الأجْسَامُ المَوْجُودَةُ عَلى سَطْحِ الأرْضِ [ وَ مِنْ بَيْنِهَا الإنْسَانُ ] هَذِهِ الشحْناتُ الكَهْرُبائِيَّةُ ، وَ تَتَكَهْرَبُ بِهَا فَعْنْدَ لِبْسِ أوْ خَلْعِ كَنْزَةٍ صُوفيَّةٍ مَثَلاً ، نُلاَحِظُ ظُهُورَ شَراراتٍ كَهْرُبائِيَّةِ بِيْنَها وَ بَيْنَ شَـعْرِ الإنْسـانِ ، وَ إذَا شُحِنَ جِسْمٌ بِشُـحْنَةٍ كَهْرُبائِيَّـةٍ ، فَإنَّ الشُحْناتِ تَتَمَرْكَزُ عَلى نِهَايَاتِ الجِسْـمِ ، وَ إذَا تَأمَّلْنَا في الوُضُوءِ نُلاَحِظُ بِبَسَـاطَةٍ أنَّـهُ : عَمَلِيَّةُ إيْصَـالِ المَـاءِ إلى نِهَـايَاتِ جِسْـمِ الإنْسَانِ الخَمْسَـةِ فَقَطْ : ( يَـا أيُّـهَـا الـذينَ آمَـنُـوا إذا قُـمْـتُمْ إلـى الـصَـلاة ِ فَاغْسِـلُـوا وُجُـوهَـكُـمْ وَ أيْـدِيَكُـمْ إلـى الـمَـرافِقِ وَ امْـسَـحُـوا بِـرُؤوسِـكُـمْ وَ أرْجُـلَـكُـمْ إلـى الـكَـعْـبَيْنِ )[ المائدة 6 ] ، أرْجُـلَـكُـمْ : معطوفة على الوجوه ، لِذَلِكَ يَجبُ غَسْـلُ الرِجْلَيْنِ لاَ مَسْحِهِما فقط ، و الخلاصة في الوضوء : الجلدُ يُغسل و الشعر يُمسح .
وَ نُلاَحِظُ أنَّ المَناطِقَ الواقِعَة بَيْنَ كَعْبَيْ الإنْسَانِ وَ رَقَبَتِهِ لَيْسَ لَهَا عَلاَقَـةٌ بالوُضُوءِ ،
وَ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا غُبَارٌ أوْ تَعَرُّقٌ مَثَلاً ، و لذلكَ يُمسَحُ أعلى الـخُفّ و لـيْسَ أسـفلَهُ ، لأنّ أسـفلَهُ يُلامسُ الأرْضَ و لا يحـتـوي شحـنات كهـربائيَة .

( مِـيْثَاقَهُ الـذي وَاثَقَـكُـمْ بِهِ إذْ قُلْـتُمْ : سَـمِـعْـنا وَ أَطَـعْـنا )[ المائدة 7 ] :
العَهْـد هو : وَعْدٌ أكِيْدٌ بِتَنْفيذِ أَمْرٍ مَـا ، و المِيْثَـاق هو : تَعْليْمَاتٌ إلهيّـة يُنَفِّذُهَا المُؤْمِنُ بِسَـعادَة ، و هذا ما نجده في الآيات الكريمة التالية :
( وَ الـمُـوفُونَ بِعَـهْـدِهِـمْ إذَا عَـاهَـدوا )[ البقرة 117 ] ، ( وَ أَوْفُـوا بِالـعَـهْـدِ إنَّ الـعَـهْـدَ كَـانَ مَـسْـؤولاً )[ الإسراء 34 ] ، ( مِنَ الـمُـؤْمِنينَ رِجَـالٌ صَـدَقُوا مَا عَـاهَـدوا اللّهَ عَـلَـيْهِ ) [ الأحزاب 23 ] ، ( وَ مَـنْ أوْفـى بِعَـهْـدِهِ مِـنَ اللّـهِ )[ التوبة 111 ] ، ( وَ الـذينَ هُـمْ لأمَـاناتِهِـمْ وَ عَـهْـدِهِـمْ راعُـون )[ المؤمنون 8 ][ المعارج 32 ] ، ( الـذينَ يُوفُونَ بِعَـهْـدِ اللّـهِ وَ لاَ يَنْقُضُـونَ الـمِـيْثَاقَ )[ الرعد 20 ] ، ( وَ مَـنْ أوْفـى بِمَـا عَـاهَـدَ عَـلَـيْهُ اللّـهَ فَسَـيُؤْتيْهِ أَجْـراً عَـظِـيْمَـاً ) [ الفتح 10 ] ، ( وَ أَوْفُوا بِعَـهْـدِ اللّـهِ إذَا عَـاهَـدْتُمْ )[ النحل 91 ] ، ( وَ بِعَـهْـدِ اللّـهِ أَوْفوا ) [ الانعام 152 ] ، ( وَ مَـا وَجَـدْنا لأكْـثَرِهِـمْ مِـنْ عَـهْـدٍ )[ الأعراف 102 ] ، ( أَوَ كُـلَّـمَـا عَـاهَـدوا عَـهْـداً نَبَذَهُ فَـريْقٌ مِـنْهُـمْ )[ البقرة 100 ] ، ( وَ الـذين يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ )[ الرعد 25 ] ، ( قَالَ لاَ يَنالُ عَـهْـدي الـظَـالِـمِـيْن )[ البقرة 124 ] ، ( الـذينَ عَـاهَـدْتَ مِـنْهُـمْ ثُمَّ يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَهُـمْ فـي كُـلِّ مَـرَّةٍ )[ الأنفال 56 ] ، ( وَ كَـانَ عَـهْـدُ اللّـهِ مَـسْـؤولاً )[ الأحزاب 15 ] ، ( وَ لَـقَـدْ عَـهِـدْنا إلـى آدَمَ مِـنْ قَبْلُ فَنَسِـيَ وَ لَـمْ نَجِـدْ لَـهُ عَـزْمَـاً )[ طـه 115 ] ، وَ المُؤْمِنُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللـهِ مِيْثَـاقٌ عَلى السَـمْعِ وَ الطَـاعَةِ بِرِضى وَ دُونَ نِقَاشِ : ( مِـيْثَاقَهُ الـذي وَاثَقَـكُـمْ بِهِ إذْ قُلْـتُمْ : سَـمِـعْـنا وَ أَطَـعْـنا )[ المائدة 7 ] ، وَ يَأْتي العَهْـدُ بَعْدَ الميْثَـاقِ : ( وَ الـذين يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ )[ الرعد 25 ] ، ( وَ قَدْ أَخَـذَ مِـيْثَاقَـكُـمْ إنْ كُـنْتُمْ مُـؤْمِـنين )[ الحديد 8 ] ، وَ الميْثـاقُ : سَـمِعْنا وَأطَعْنَـا : ( آمَـنَ الـرِسُـولُ بِمَـا أُنْزِلَ إلَـيْهِ مِـنْ رَبِّهِ وَ الـمُـؤْمِـنُونَ كُـلٌّ آمَـنَ بِاللّـهِ وَ مَـلائِـكَـتِهِ وَ كُـتُبِهِ وَ رُسُـلِـهِ وَ قَالـوا : سَـمِـعْنا وَ أَطَـعْـنَا )[ البقرة 285 ] ، وَ بِدونِ جَدَلٍ أوْ نِقاشٍ أوْ إعْتِراضٍ وَ حتّى التَنْفيذ بِرِضى وَ سَعادَة : ( فَـلاَ وَ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِـنُون حَـتّى يُحَـكِّـمُـوكَ فِيْمَـا شَـجَـرَ بَيْنَهُـمْ ثُمَّ لاَ يَجِـدوا فـي أنْفُسِـهِـمْ حَـرَجٌ مِـمَّـا قَـضَـيْتَ وَ يُسَـلّـمُـوا تَسْـلـيْمَـاً )[ النساء 65 ] ، وَ هَذَا يُظْهِرُ الفَرْقَ بَيْنَ المُـؤْمن وَ المُسْـلِم .

( و كـيْفَ يُـحَـكّـمـونـك و عـندهُم التـوراة فيهـا حُـكْـمُ اللـه )[ المـائدة 43 ] :
القُرْآنُ الكَريمُ يَحْتَوي أيْضَاً على الفُرْقـَانِ ، الذي نَزَلَ مِنْ قَبْلُ عَلى موسى عليه السلام : ( تَبَارَكَ الـذي نَزَّلَ الـفُرْقَانَ عَـلـى عَـبْدِهِ )[ الفرقان 1 ] ، ( وَ أنْزَلَ الـتَوْراةَ وَ الإنْجِـيلَ مِـنْ قَـبْلُ هَـدَىً لِلـناسِ وَ أنْزَلَ الـفُرْقَانَ )[ آل عمران 3 / 4 ] ، ( وَ إذْ آتَيْنَا مُـوسَـى الـكِـتَابَ وَ الـفُرْقَانَ )[ البقرة 53 ] ، ( وَ لَـقَـدْ آتَيْنَا مُـوسَـى وَ هَـارونَ الـفُرْقَانَ )[ الأنبياء 48 ] ، وَ الجِـنّ أيْضَاً عِنْدَهُمْ عِلْمٌ فَقَطْ بالقُرْآنِ الكَريمِ وَ كِتابِ موسى عليه السلام : ( وَ إِذْ صَـرَفْنَا إلَـيْكَ نَفَراً مِـنَ الـجِـنِّ يَسْـتَمِـعُـونَ الـقُرْآنَ فَلَـمَّـا حَـضَـروهُ قَالـوا أنْصِـتُوا فَلَـمَّـا قُضِـيَ وَلّـوْا إلـى قَـوْمِـهِـمْ مُـنْذِرينَ قَالـوا يَا قَـوْمَـنا إنَّا سَـمِـعْـنا كِـتَاباً أُنْزِلَ مِـنْ بَعْـدِ مُـوسـى )[ الأحقاف 29 / 30 ] .
فَمَا أشْبَهَ كِتابُ مُوسى عليْهِ السَلام بالقُرْآنِ الكَريمِ فَكِلاَ الكِتابَيْنِ فيهِ هُدَىً وَ رَحْمَةً وَ تَفْصيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ : ( ثُمَّ آتَيْنَا مُـوسَـى الـكِـتَابَ تَمَـامَـاً عَـلَـى الـذي أحْـسَـنَ وَ تَفْـصِـيلاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ وَ هُـدَىً وَ رَحْـمَـةً )[ الأنعام 154 ] ، ( وَ كَـتَبْنَا لَـهُ فـي الألْـواحِ مِـنْ كُـلِّ شَـيْءٍ مَـوْعِـظَـةً وَ تَفْـصِـيْلاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ )[ الأعراف 145 ] ، وَ هَذِهِ هيَ صِفَاتُ القُرْآنِ الكَريمِ ، أيْ الهُدى وَ الرَحْمَةُ وَ تَفْصيلُ كُلِّ شَـيْءٍ : ( وَ نَزَّلْـنَا عَـلَـيْكَ الـكِـتَابَ تِبْيَانَاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ وَ هُـدَىً وَ رَحْـمَـةً وَ بُشْـرى لِلـمُـسْـلِـمِـينَ )[ النحل 89 ] ، ( مَـا كَـانَ حَـدِيثَاً يُفْتَرى وَ لَـكِـنْ تَصْـديقَ الـذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِـيلَ كُـلِّ شَـيْءٍ وَ هُـدَىً وَ رَحْـمَـةً لِـقَوْمٍ يُؤْمِـنُونَ )[ يوسف 111 ] .

كل هـذا و اللـه أعـلم .