السبت، 28 مارس 2015

(سورة النساء) تفسير د.علي منصور الكيالي (2)

ســورة النساء (من اية 24 الى 124)
(مَـا مَلَكتْ أيمـانكُم)[النساء 24]
يجب التمـييز بين :
إمَـاء : و هُـنّ [ سـبايا الحرْب ] 
أيـامى : و هُـنّ [ غـيـر الـمـتـزوّجـات ] .
مـلْك اليمين : و هُنّ اللواتي [ يعملْن في البيوت مُقابل أجْر ] في العصر الحديث .
.
و قـد طـالب القرآن الكريم بالزواج من [ الإمَـاء = سـبايا الحرب ] زواجـاً شـرعيّاً ، مثل أي فتاة أخرى [ أيّـم = غـير متزوّجة ] في المجتمع ، فقال تعالى : ( و أنكحـوا الأيـامى منكُـم و الصالحين منْ عبـادكم و إمـائكُم )[ النور 32 ] ، و سورة النور هي سورةٌ [ مفروضة ] لقولـه تعالى في بدايتهـا : ( سورةٌ أنزلناهـا و فَرضْناها )[ النور 1 ] .
.
مـلْـك الـيمـين :
ورد ذكـرهُنّ في القرآن الكريم ، في عدّة مواضع هي :
_ ( مَـا مَلَكتْ أيمـانكُم ) 7 مرّات ، في سُوَر النور / النساء / الروم .
_ ( مَـا مَلَـكتْ أيمـانُهُـم ) 4 مرّات ، في سُوَر المؤمنون / الأحزاب / النحل / المعارج . _ _ ( مَـا مَلَكتْ يميـنُك ) 2 مرّة ، في سُورة الأحزاب 50 / 52 .
_ ( مـا ملَكـتْ أيمـانهُنّ ) 2 مرّة ، في سُورتيْ النور 31 و الأحزاب 55 .
فإذا كان مسموحٌ للرجُل إقـامة العلاقات الجنسيّة مع [ ملْك اليمين ] ، فمـاذا سنقول في قولـه تعالى : ( مَـا ملكتْ أيمـانهُنّ ) !!!!!! .
.
الـزواج من [ ملْك اليمـين ] :
إذا أراد الرجُلُ الزواج من اُنثى زواجاً شـرعيّاً [ مهْـر + عقد شرعيّ ] ، فقد وضَع لـه القرآن الكريم احتمـاليْن :
1 _ الزواج من [ مُحصـنة = ابنة عائلة معروفة في البلدة ] ، و إذا كان ذلك يتطلّب تكاليف ماليّة كبيرة [ تأمين السكن و الفرش و تكاليف حفلة الزواج و ارتفاع المهر .. ] ، عند ذلك يُمكنه الزواج من :
2 _ [ مـلْك اليمين = إنسانة تعمل بأجر في بيوت الناس أو بيته ] ، و في هذه الحالة تكون التكاليف المـاليّة أقلّ .
و الدليل على أنّ السبب هو سـببٌ [ مـاليّ ] فقط ، يقول تعالى صراحةً : ( و مَنْ لـم يستطعْ منكُم طَـوْلاً أنْ ينكح المُحصـنات المؤمنات ، فمن مَـا مَلَكت أيمـانكم منْ فتياتكم المؤمنات )[ النساء 25 ] ، إذا : إمّـا الزواج من [ المُحصنة ] ، أو الزواج من [ ملْك اليمين ] ، و ليس الإثنتين معـاً .
و تُتابع الآية الكريمة عن ملْك اليمين : ( فانكحوهُنّ بإذن أهلهنّ ، و آتوهُنّ اُجورهُنّ بالمعروف )[ النساء 25 ] ، أيْ : الزواج بموافقة أهلهـا + المهر الذي تعارف عليه المُجتمع ( بالمعروف ) .
و تُتابع الآية الكريمة : ( مُحصـنات غيْرَ مُسـافحاتٍ و لا مُتّخذات أخدان )[ النساء 25 ] ، أي : تُصبح زوجة مُحصنة ، و ليست [ عشيقة أو صاحبة ] ، لأنّ الله يقول صراحةً : ( و لا تُكـرهوا فتـياتكُم على البغـاء )[ النور 33] .
.
أو :
الله سبحانه يستخدم كلمـة [ أوْ ] ، للدلالة على [ الإختيار ] بين [ المحصنة أو ملْك اليمين ] ، مثال : ( إلاّ على أزواجهم أو مَـا ملَكتْ أيمـانهم )[ المؤمنون 7 / المعارج 3 ] ، ( فواحدة أو مَـا ملَكتْ أيمانكم )[ النساء 3 ]
و قد ذكر القرآن الكريم حرف [ و ] فقط مع الرسول صلى الله عليه و سلّم ، وهذا التخصيص لأنّ الرسول هو [ صاحب الخُلُق العظيم ] ، فقال تعالى : ( يا أيهـا النبيّ إنّا أحْللْنـا لكَ أزواجك اللاّتي آتيْت اُجورهُنّ و مَـا مَلَكتْ يمينُك )[ الأحزاب 50 ] .
لذلك يجب عدَم الاستماع إلى الذين يهمُّم فقط الشهوات : ( و يريد الذين يتّبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً )[ النساء 27 ] ، أيْ : ميلاً عظيماً في فهم الآيات و تسخيرهـا لشهواتهم .
.
( لا تقولـوا : راعـنـا ) :
راعِـنا : هِيَ كَلِمَةٌ خَبيْثَةٌ [ مِنَ الرُعُونَةِ وَ احْتِقارِ المُخَاطَبِ ] تستخدم في الأسْواقِ عِنْدَ البَيْعِ وَ الشِراءِ وَ قَدْ أمَرَ اللّهُ عَدَمَ قَوْلِها : ( يَا أيُّهَـا الـذيْنَ آمَـنُوا لاَ تَقُولُـوا راعِـنَا وَ قُولُـوا انْظُـرْنَا )[ البقرة 104 ] ، لأنَّ هَذِهِ الكلِمة هيَ [ طَعْنٌ في الديْنِ ] : ( وَ مِـنَ الـذيْنَ هَـادوا يُحَـرِّفُونَ الـكَـلِـمَ عَـنْ مَـواضِـعِـهِ وَ يَقُولُـونَ سَـمِـعْـنَا وَ عَـصَـيْنَا وَ اسْـمَـعْ غَـيْرَ مُـسْـمَـعٍ وَ راعِـنَا لَـيّاً بِألْـسِـنَتِهِـمْ وَ طَـعْـنَاً في الـديْنِ )[ النساء 46 ] .
.
( يسـتـنبطـونه مـنـهُـم ) :
عِلْمُ الاسْـتِنْباطِ هُوَ جَوْهَرُ العُلُومِ ، التي تَحْتاجُ لِمَنْ يَجْلوهَا بِفَهْمٍ وَ مَنْطِقٍ ، وَ روحُ الفِقْهِ الذي يَحْتاجُ لِمَنْ يَجْلوهُ بِبَصِيْرةٍ وَ تَبَصُّرٍ، وَ كَلِمَةُ الاسْتِنْباط مِنْ [ نَبَطَ ] أيْ اسْـتَخْرَجَ ، فَنَقُولُ : نَبَطَ المَاءُ إذَا اسْتَخْرَجَهُ ، لِذَلِكَ فإنَّ اسْتِنْباطَ القُرْآنِ الكَريْمِ : ( لَـعَـلِـمَـهُ الـذيْنَ يَسْـتَنْبِطُـونَهُ مِـنْهُـمْ )[ النساء 83 ] ، يَعْني اسْـتِخْراج الأحْكامِ وَ القوانِيْنِ وَ الحقائِق ، مِمّا يَبْدو بَسِـيْطَاً وَهامِشـيّاً أوْ مُتَعارَفاً بَدِيْهِيّاً ، وَ هُوَ سِرُّ فَهْمِ الأحْكامِ ، وَ فَهْمِ [ النَصِّ الرَبّـانيّ ] فَهْمَاً حَقِيْقِيّاً ، لِبَعْثِ الحَياةِ في الفَرْدِ وَ المُجْتَمَعِ .
وَ الاسْـتِنْباطُ عِلْمٌ ذَوْقيٌّ ، وَ الذَوْقُ يَرْفُضُ وَ يَمْنَعُ الشِدَّةَ المُتْلِفة وَ التراخي المُضَيِّعِ ، فالذَوْقُ فَهْمٌ لَيّنٌ وَ سَلِسٌ لِلنَصِّ الشَرْعيّ ، وَ فَهْمٌ جَماليّ بِعُمْقٍ نَقْديّ يَمْنَحُ النَصَّ الشَرْعيّ نِطاقَاً أوْسَع وَ مَدىً أرْحَب ، يَتلاءَمَانِ مَعَ كُلِّ زَمانٍ وَ مَكانٍ ، وَ يَكُونُ الدِيْنُ صَالِحاً لِكُلِّ الناسِ : ( اُدْعُ إلـى سَـبِيْلِ رَبِّكَ بِالـحِـكْـمَـةِ وَ الـمَـوْعِـظَـةِ الـحَـسَـنَةِ )[ النحل 125 ] ، وَ لَيْسَ بالتَخْويْفِ وَ تَحْويْلِ الدِيْنِ إلى [ فَزَّاعَةٍ ] .
.
( لسْـتَ مُـؤمـناً )[ النساء 94 ] :
إذا كان الإنسانُ مُسـالـماً و آمناً في بيته ، فالأمْـرُ الإلـهيّ واضحٌ وُضوحَ الشمس و هوَ : ( لا ينهـاكُمُ الله عَنِ الذينَ لـمْ يُقـاتلوكُمْ في الدينِ و لـمْ يُخْرجوكُمْ منْ دياركُم أنْ تَـبـرّوهُـمْ و تُقسـطوا إلـيْهِـمْ )[ الممتحنة 8 ] ، لذلكَ فإنّ إخراج الناس الآمنين المُسـالمينَ منْ بيوتهِم هوَ [ عصيانٌ ] لهذا الأمْـر الإلهيّ .
_ و الأمـرُ الإلـهيّ الآخـرَ : ( يـا أيّهـا الذينَ آمـنوا ادْخُـلـوا في السِـلْم كـافّةً )[ البقرة 208 ]
_ و الأمْـرُ الإلـهيّ أيْضـاً : ( و لاَ تقـولـوا لِـمَـنْ ألْقى إلـيْكُمُ السَـلامَ : لسْـتَ مُـؤمـناً ) [ النساء 94 ] ، أيْ :لايجوزُ [ تكفير ] الآخـرين إذا كـانوا مُسـالمينَ .
و السَادَةُ النصارى لهُم توصـيةٌ خاصّة منَ الله سُبحانهُ : ( أقْربَهُم مودّةً للذينَ آمـنوا الذينَ قـالوا إنّــا نصــارى )[ المائدة 82] .
_ لذلك لا يجوزُ لا يجوزُ لا يجوزُ ... الاعتداء على أيّ إنسانٍ كانَ ، في مـاله و عرضه و .... ، و المطلوبُ [ فقـط ] صَـدّ العدوان ، و ليْسَ [ الاعتداء ] على الآخرينَ .
.
أمّـا [ الجهـادُ ] في الدين الإسلاميّ ، فهـوَ جهـادٌ [ فكْـريّ ] بالحوار و المنطق ، و ليْسَ بالسيْف ، و الله يقولُهـا صـراحةً و بكلّ وُضوح : ( و جـاهدْهُم بـه جهـاداً كـبيراً )[ الفرقان 52 ] ، أيْ : جـاهدهُم بالقرآن الكريم و الحوار و المنطق ، أمّـا [ الإكـراهُ ] فهوَ مرفُوضٌ مرفوضٌ مرفوضٌ ، لأنّ الله لا يُريدُ ذلك : ( وَ لـوْ شَـاءَ ربّـكَ لآمَـنَ مَنْ في الأرْضِ كلّهُـمْ جمـيعاً )[ يونس 99 ] ، فـالله لا يحتاجُ إلى [ جهـاديين ] ، و تكفي مشـيئته لتحقيق ذلك ، و لكنّ الله يُريْدُ [ الإختلافَ ] بينَ الناس في مُعتقداتهم : ( و لا يزالونَ مُختلفينَ ، و لذلكَ خَلـقَهُم )[ هود 119 ] ، ( و لـوْ شـاءَ الله لجمعـهُم على الهُدى )[ الأنعام 35 ] ،
و بذلك يُوضح الإسلام أنّ أصل العلاقات مع الآخرين هي [ السلْم العادل ] سواء على مستوى الأفراد أمْ على مستوى الشعوب و الدول ، و قد حذّر القرآن الكريم عدم التقيّد بالأوامر التي مرّت في الآيات السابقة ، فقال تعالى : ( فإنْ زللتمْ من بعـد ما جاءكم البيّنات فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم )[ البقرة 209 ] ، أيْ إذا زللتمْ عن هذه التعليمات بعدما أوضحناها لكم ، فإنّ الله ( عزيز ) عنكم و ليس بحاجة لكم .
.
( نُشُـوزاً أوْ إعْـراضَـاً )[ النساء 128 ] :
مِنْ طَبيعَةِ المَرْأةِ النشوز فقط مع عَـدَمَ الإعْراضِ : ( وَ الـلاَتي تَخَافُونَ نُـشُـوزَهُـنَّ )[ النساء 34 ] ، نُـشُـوزَهُـنَّ : تَمَرُّدَهُنَّ فَقَطْ وَ لَمْ يَقُلْ : أوْ إعْراضَهُنَّ ، بَيْنَمَا عِنْدَ الرَجُلِ نَجِدُ النُشُوزَ وَ الإعْرَاضَ : ( وَ إنْ اِمْـرَأةٌ خَـافَـتْ مِـنْ بَعْـلـِهَـا نُشُـوزاً أوْ إعْـراضَـاً )[ النساء 128 ] ، نُشُـوزاً : تَمـرّداً ، إعْـراضَـاً : هُجْرانَاَ بِحيْثُ لاَ يُكلّمها ، فَيَكُونُ [ الشُـحُّ ] و هو : البُخْل حتّى بالعَـواطِفِ وَ الكلامِ إضَافَةً للمَـال مِنَ الرَجُلِ فَقَطْ ، لَذَلِكَ تُتَابِعُ الآيَةُ الكَريمَةُ معَ الرِجال فقط : ( وَ أُحْـضِـرَتِ الأنْفُسُ الـشُـحُّ )[ النساء 128 ] ، و لِذَلِكَ قال تعالى : ( وَ مَـنْ يُوْقَ شُـحَّ نَفْـسِـهِ فَأُولَـئِـكَ هُـمُ الـمُـفْـلِـحُـونَ )[ الحشر 9 ][ التغابن 16 ] ، ( أَشِـحَّـةً عَـلَـيْكُـمْ ... أَشِـحَّـةً عَـلَـى الـخَـيْرِ )[ الأحزاب 19 ] .
.
( مـا يفْعـلُ الله بعـذابكـم إن شـكرتُم و آمنـتم )[ النساء 147 ] :
إنّ اللّـه سُـبحانه و تعالى خـلقـنـا كـيْ نكـونَ [ فقـط ] سُـعـداءَ و فـرحين بكلّ السَـعادة في الدنيـا و الآخـرة ، لذلك جعَلَ هـذا الديْن في غـاية [ اليُسْـر ] ، كمَـا قال الرسول الكريم صلى الله عليه و سلّم : [ إنّ هـذا الدينَ يُسْـرٌ ] ، و قال تعالى عن هذا الدين أنّـه [ حـنيف = مَـرِنٌ جـداً ] : ( قُـلْ إنّنـي هـداني ربّـي إلى صـراطٍ مُسـتقيم ، ديْـناً قِــيَــمَــاً ، مـلّةَ إبـراهيْـمَ حـنيفـاً )[ الأنعام 161 ] ، فالدينُ هُـوَ [ القِـيَـمُ ] و الأخلاق .
.
كل هـذا و الله أعلـم .


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق