‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجزء الرابع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجزء الرابع. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 29 مارس 2015

(سورة المائدة) تفسير د.علي منصور الكيالي (1)

            ســورة المائدة (من اية 1 الى 81)


أوْفـوا بالعُـقُـودِ :
نُلاَحِظُ عَلى الآيَةِ الأُولى مِنْ سُورَةِ المَائِدَةِ : ( يَا أيُّهَـا الـذينَ آمَـنُوا أَوْفُوا بِالـعُـقُـودِ أُحِـلَّـتْ لَـكُـمْ بَهِـيْمَـةُ الأنْعَـامِ )[ المائدة 1 ] ، العُقُودُ هُنا لَيْسَتْ العُقُودُ التجاريّة ، لأنَّ : [ عَقَدَ ] عُنُقَ الدابّةِ أيْ : لَواهَا وَ هَيَّـأَها لِلْذَبْحِ الحـلالِ ، فأصْبَحَ المَعْنى : يا أيُّهَا الذينَ آمَنوا إذَا ذَبَحْتُمْ على الطريْقَةِ الإسْلاميّةِ [ مِنَ العُنُقِ ] ، سَتَكونُ بَهيمَةُ الأنْعامِ حلالاً عَلَيْكُمْ ، وَ إذا ذَبَحْتُمْ على أيِّ طريقَةٍ أُخْرى كالصَعْقِ الكهْربائِيِّ ، فإنَّ الذبْحَ لَنْ يَكُونَ حلالاً ، وَ لِذَلِكَ نَقُولُ : [ عِقْد المرْأةِ ] لأنَّهُ يُوضَعُ في العُنُقِ ، وَ عَقْدُ الشَيْءِ : وُجُوبُهُ وَ أحْكامُهُ وَ مِنْهُ العَقيـدَةُ ، وَ قَدْ رَكَّزَت الآيَةُ الكريْمَةُ عَلى أنْ يَسِيْلَ الدَمُ مِنَ رَقَبَةِ الدابَّةِ حَصْراً ، وَ لَيْسَ مِنْ أيِّ مَكانٍ آخَرَ مِثْلَ الدابَّةِ التي أكَلَهَا حَيَوانٌ مُفْترِسٌ ، وَ قَدْ تَمَّ إيْضَاحُ تحريم أكل أنواع من الحيوان ماتت بالطرق المختلفة ما عدا الذبح الحلال ، في الآيَةِ الكريمَةِ التالية : ( الـمَـوْقُوذَةُ وَ الـمُـتَرَدِّيَةُ وَ الـنَطِـيحَـةُ وَ مَـا أكَـلَ الـسَـبْعُ إلاّ مَـا ذَكَّـيْتُمْ )[ المائدة 3 ] ، الـمَـوْقُوذَةُ : المضروبة بآلةٍ ثَقيلَة ، الـمُـتَرَدِّيَةُ : سقطت من مكان عالٍ ، الـنَطِـيحَـةُ : ضربها حيوان آخر بِقُرونِـهِ ، مَـا أكَـلَ الـسَـبْعُ : حيوان مفترس ، أيْ لاَ بُدَّ مِنَ التذْكِيَـةِ وَ هي : الذَبْـحُ الحلال ، فالطَعَـامُ الفَاسِـدُ يُفْسِـدُ الجِسْمَ ، وَ يُعْطِيْهِ طَاقَـةَ [ احْـتِراق ] وَ لَيْسَ طَاقَـةَ [ إئْـتِـلاق ] .

( الـهَـدْيَ وَ الـقَـلاَئِـدَ )[ المائدة 97 ] :
الهَـدْيُ : هُوَ الذَبَيحَةُ التي تُهْدى إلى الكَعْبَةِ ، وَ مِثْلُهُ القَلاَئِدُ حَيْثُ تُوضَعُ القِلاَدَةُ للذَبيحَةِ كَإشَارَةٍ : ( يَا أيُّهَـا الـذينَ آمَـنُوا لاَ تَحِـلُّـوا شَـعَـائِرَ اللّـهِ وَلاَ الـشَـهْـرَ الـحَـرامَ وَ لاَ الـهَـدْيَ وَ لاَ الـقَـلاَئِـدَ وَ لاَ آمِّـينَ الـبَيْتَ الـحَـرامَ )[ المائدة 2 ] ، ( وَ الـهَـدْيَ وَ الـقَـلاَئِـدَ )[ المائدة 97 ] ( هَـدْيَاً بَالِـغَ الـكَـعْـبَةِ )[ المائدة 95 ] ، ( حَـتّى يَبْـلُـغَ الـهَـدْيُ مَـحِـلَّـهُ )[ البقرة 196 ] ، ( هُـمُ الـذينَ كَـفَروا وَ صَـدُّوكُـمْ عَـنِ الـمَـسْـجِــدِ الـحَــرامِ وَ الـهَـدْيَ مَـعْـكُـوفَاً أَنْ يَبْـلُـغَ مَـحِـلَّـهُ )[ الفتح 25 ] ، مَـعْـكُـوفَاً : ثَابِتَـاً مَكَانَهُ ، أَنْ يَبْـلُـغَ : مَمْنُـوعٌ أنْ يَبْلُغَ ، مَـحِـلَّـهُ : مَكانَ ذَبْحِـهِ ، ( فَإنْ أُحْـصِـرْتُمْ فَمَـا اسْـتَيْسَـرَ مِـنَ الـهَـدْيِ )[ البقرة 196 ] ، أُحْـصِـرْتُمْ : مُنِعْتُمْ مِنَ الحَـجِّ أوِ العُمْـرَةِ لأيِّ سَبَبٍ كَانَ .

( فَاغْسِـلُـوا وُجُـوهَـكُـمْ وَ أيْـدِيَكُـمْ إلـى الـمَـرافِقِ وَامْــسَـحُـوا بِـرُؤوسِـكُـمْ وَأرْجُـلَـكُـمْ ) [ المائدة 6 ] :
عِنْدَمَـا يَدْخُلُ ضَوْءُ النَهَـارِ إلى الغِلاَفِ الجَوّي لـلأرْضِ ، فَإنَّ إحْدى هَذه طَبَقَاتِ الغِلاَفِ وَ هيَ طَبَقَةُ الأيونوسفير تَتَأيَّنُ [ تَتَكَهْرَبُ ] ، وَ تَسْتَقْبِلُ الأجْسَامُ المَوْجُودَةُ عَلى سَطْحِ الأرْضِ [ وَ مِنْ بَيْنِهَا الإنْسَانُ ] هَذِهِ الشحْناتُ الكَهْرُبائِيَّةُ ، وَ تَتَكَهْرَبُ بِهَا فَعْنْدَ لِبْسِ أوْ خَلْعِ كَنْزَةٍ صُوفيَّةٍ مَثَلاً ، نُلاَحِظُ ظُهُورَ شَراراتٍ كَهْرُبائِيَّةِ بِيْنَها وَ بَيْنَ شَـعْرِ الإنْسـانِ ، وَ إذَا شُحِنَ جِسْمٌ بِشُـحْنَةٍ كَهْرُبائِيَّـةٍ ، فَإنَّ الشُحْناتِ تَتَمَرْكَزُ عَلى نِهَايَاتِ الجِسْـمِ ، وَ إذَا تَأمَّلْنَا في الوُضُوءِ نُلاَحِظُ بِبَسَـاطَةٍ أنَّـهُ : عَمَلِيَّةُ إيْصَـالِ المَـاءِ إلى نِهَـايَاتِ جِسْـمِ الإنْسَانِ الخَمْسَـةِ فَقَطْ : ( يَـا أيُّـهَـا الـذينَ آمَـنُـوا إذا قُـمْـتُمْ إلـى الـصَـلاة ِ فَاغْسِـلُـوا وُجُـوهَـكُـمْ وَ أيْـدِيَكُـمْ إلـى الـمَـرافِقِ وَ امْـسَـحُـوا بِـرُؤوسِـكُـمْ وَ أرْجُـلَـكُـمْ إلـى الـكَـعْـبَيْنِ )[ المائدة 6 ] ، أرْجُـلَـكُـمْ : معطوفة على الوجوه ، لِذَلِكَ يَجبُ غَسْـلُ الرِجْلَيْنِ لاَ مَسْحِهِما فقط ، و الخلاصة في الوضوء : الجلدُ يُغسل و الشعر يُمسح .
وَ نُلاَحِظُ أنَّ المَناطِقَ الواقِعَة بَيْنَ كَعْبَيْ الإنْسَانِ وَ رَقَبَتِهِ لَيْسَ لَهَا عَلاَقَـةٌ بالوُضُوءِ ،
وَ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا غُبَارٌ أوْ تَعَرُّقٌ مَثَلاً ، و لذلكَ يُمسَحُ أعلى الـخُفّ و لـيْسَ أسـفلَهُ ، لأنّ أسـفلَهُ يُلامسُ الأرْضَ و لا يحـتـوي شحـنات كهـربائيَة .

( مِـيْثَاقَهُ الـذي وَاثَقَـكُـمْ بِهِ إذْ قُلْـتُمْ : سَـمِـعْـنا وَ أَطَـعْـنا )[ المائدة 7 ] :
العَهْـد هو : وَعْدٌ أكِيْدٌ بِتَنْفيذِ أَمْرٍ مَـا ، و المِيْثَـاق هو : تَعْليْمَاتٌ إلهيّـة يُنَفِّذُهَا المُؤْمِنُ بِسَـعادَة ، و هذا ما نجده في الآيات الكريمة التالية :
( وَ الـمُـوفُونَ بِعَـهْـدِهِـمْ إذَا عَـاهَـدوا )[ البقرة 117 ] ، ( وَ أَوْفُـوا بِالـعَـهْـدِ إنَّ الـعَـهْـدَ كَـانَ مَـسْـؤولاً )[ الإسراء 34 ] ، ( مِنَ الـمُـؤْمِنينَ رِجَـالٌ صَـدَقُوا مَا عَـاهَـدوا اللّهَ عَـلَـيْهِ ) [ الأحزاب 23 ] ، ( وَ مَـنْ أوْفـى بِعَـهْـدِهِ مِـنَ اللّـهِ )[ التوبة 111 ] ، ( وَ الـذينَ هُـمْ لأمَـاناتِهِـمْ وَ عَـهْـدِهِـمْ راعُـون )[ المؤمنون 8 ][ المعارج 32 ] ، ( الـذينَ يُوفُونَ بِعَـهْـدِ اللّـهِ وَ لاَ يَنْقُضُـونَ الـمِـيْثَاقَ )[ الرعد 20 ] ، ( وَ مَـنْ أوْفـى بِمَـا عَـاهَـدَ عَـلَـيْهُ اللّـهَ فَسَـيُؤْتيْهِ أَجْـراً عَـظِـيْمَـاً ) [ الفتح 10 ] ، ( وَ أَوْفُوا بِعَـهْـدِ اللّـهِ إذَا عَـاهَـدْتُمْ )[ النحل 91 ] ، ( وَ بِعَـهْـدِ اللّـهِ أَوْفوا ) [ الانعام 152 ] ، ( وَ مَـا وَجَـدْنا لأكْـثَرِهِـمْ مِـنْ عَـهْـدٍ )[ الأعراف 102 ] ، ( أَوَ كُـلَّـمَـا عَـاهَـدوا عَـهْـداً نَبَذَهُ فَـريْقٌ مِـنْهُـمْ )[ البقرة 100 ] ، ( وَ الـذين يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ )[ الرعد 25 ] ، ( قَالَ لاَ يَنالُ عَـهْـدي الـظَـالِـمِـيْن )[ البقرة 124 ] ، ( الـذينَ عَـاهَـدْتَ مِـنْهُـمْ ثُمَّ يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَهُـمْ فـي كُـلِّ مَـرَّةٍ )[ الأنفال 56 ] ، ( وَ كَـانَ عَـهْـدُ اللّـهِ مَـسْـؤولاً )[ الأحزاب 15 ] ، ( وَ لَـقَـدْ عَـهِـدْنا إلـى آدَمَ مِـنْ قَبْلُ فَنَسِـيَ وَ لَـمْ نَجِـدْ لَـهُ عَـزْمَـاً )[ طـه 115 ] ، وَ المُؤْمِنُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللـهِ مِيْثَـاقٌ عَلى السَـمْعِ وَ الطَـاعَةِ بِرِضى وَ دُونَ نِقَاشِ : ( مِـيْثَاقَهُ الـذي وَاثَقَـكُـمْ بِهِ إذْ قُلْـتُمْ : سَـمِـعْـنا وَ أَطَـعْـنا )[ المائدة 7 ] ، وَ يَأْتي العَهْـدُ بَعْدَ الميْثَـاقِ : ( وَ الـذين يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ )[ الرعد 25 ] ، ( وَ قَدْ أَخَـذَ مِـيْثَاقَـكُـمْ إنْ كُـنْتُمْ مُـؤْمِـنين )[ الحديد 8 ] ، وَ الميْثـاقُ : سَـمِعْنا وَأطَعْنَـا : ( آمَـنَ الـرِسُـولُ بِمَـا أُنْزِلَ إلَـيْهِ مِـنْ رَبِّهِ وَ الـمُـؤْمِـنُونَ كُـلٌّ آمَـنَ بِاللّـهِ وَ مَـلائِـكَـتِهِ وَ كُـتُبِهِ وَ رُسُـلِـهِ وَ قَالـوا : سَـمِـعْنا وَ أَطَـعْـنَا )[ البقرة 285 ] ، وَ بِدونِ جَدَلٍ أوْ نِقاشٍ أوْ إعْتِراضٍ وَ حتّى التَنْفيذ بِرِضى وَ سَعادَة : ( فَـلاَ وَ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِـنُون حَـتّى يُحَـكِّـمُـوكَ فِيْمَـا شَـجَـرَ بَيْنَهُـمْ ثُمَّ لاَ يَجِـدوا فـي أنْفُسِـهِـمْ حَـرَجٌ مِـمَّـا قَـضَـيْتَ وَ يُسَـلّـمُـوا تَسْـلـيْمَـاً )[ النساء 65 ] ، وَ هَذَا يُظْهِرُ الفَرْقَ بَيْنَ المُـؤْمن وَ المُسْـلِم .

( و كـيْفَ يُـحَـكّـمـونـك و عـندهُم التـوراة فيهـا حُـكْـمُ اللـه )[ المـائدة 43 ] :
القُرْآنُ الكَريمُ يَحْتَوي أيْضَاً على الفُرْقـَانِ ، الذي نَزَلَ مِنْ قَبْلُ عَلى موسى عليه السلام : ( تَبَارَكَ الـذي نَزَّلَ الـفُرْقَانَ عَـلـى عَـبْدِهِ )[ الفرقان 1 ] ، ( وَ أنْزَلَ الـتَوْراةَ وَ الإنْجِـيلَ مِـنْ قَـبْلُ هَـدَىً لِلـناسِ وَ أنْزَلَ الـفُرْقَانَ )[ آل عمران 3 / 4 ] ، ( وَ إذْ آتَيْنَا مُـوسَـى الـكِـتَابَ وَ الـفُرْقَانَ )[ البقرة 53 ] ، ( وَ لَـقَـدْ آتَيْنَا مُـوسَـى وَ هَـارونَ الـفُرْقَانَ )[ الأنبياء 48 ] ، وَ الجِـنّ أيْضَاً عِنْدَهُمْ عِلْمٌ فَقَطْ بالقُرْآنِ الكَريمِ وَ كِتابِ موسى عليه السلام : ( وَ إِذْ صَـرَفْنَا إلَـيْكَ نَفَراً مِـنَ الـجِـنِّ يَسْـتَمِـعُـونَ الـقُرْآنَ فَلَـمَّـا حَـضَـروهُ قَالـوا أنْصِـتُوا فَلَـمَّـا قُضِـيَ وَلّـوْا إلـى قَـوْمِـهِـمْ مُـنْذِرينَ قَالـوا يَا قَـوْمَـنا إنَّا سَـمِـعْـنا كِـتَاباً أُنْزِلَ مِـنْ بَعْـدِ مُـوسـى )[ الأحقاف 29 / 30 ] .
فَمَا أشْبَهَ كِتابُ مُوسى عليْهِ السَلام بالقُرْآنِ الكَريمِ فَكِلاَ الكِتابَيْنِ فيهِ هُدَىً وَ رَحْمَةً وَ تَفْصيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ : ( ثُمَّ آتَيْنَا مُـوسَـى الـكِـتَابَ تَمَـامَـاً عَـلَـى الـذي أحْـسَـنَ وَ تَفْـصِـيلاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ وَ هُـدَىً وَ رَحْـمَـةً )[ الأنعام 154 ] ، ( وَ كَـتَبْنَا لَـهُ فـي الألْـواحِ مِـنْ كُـلِّ شَـيْءٍ مَـوْعِـظَـةً وَ تَفْـصِـيْلاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ )[ الأعراف 145 ] ، وَ هَذِهِ هيَ صِفَاتُ القُرْآنِ الكَريمِ ، أيْ الهُدى وَ الرَحْمَةُ وَ تَفْصيلُ كُلِّ شَـيْءٍ : ( وَ نَزَّلْـنَا عَـلَـيْكَ الـكِـتَابَ تِبْيَانَاً لِـكُـلِّ شَـيْءٍ وَ هُـدَىً وَ رَحْـمَـةً وَ بُشْـرى لِلـمُـسْـلِـمِـينَ )[ النحل 89 ] ، ( مَـا كَـانَ حَـدِيثَاً يُفْتَرى وَ لَـكِـنْ تَصْـديقَ الـذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِـيلَ كُـلِّ شَـيْءٍ وَ هُـدَىً وَ رَحْـمَـةً لِـقَوْمٍ يُؤْمِـنُونَ )[ يوسف 111 ] .

كل هـذا و اللـه أعـلم .