الاثنين، 30 مارس 2015

(سورة الأنعام) تفسير د.علي منصور الكيالي (1)

            ســورة الأنعام (من اية 1 الى 110)

أسَـاطـير الأوّلـين :

( يَقُولُ الـذينَ كَـفَروا إنْ هَـذا إلاَّ أَسَـاطِـيرُ الأوَّلـينَ )[ الأنعام 25 ] :
وَ قَدْ أَهْمَلَتِ العُلُومُ الشَرْعيَّةُ دِراسَةَ الأُسْطُورَةِ ، لأَنَّ الأَسَاطيرَ تُعْنى بالخُرافَاتِ وَ اللاَّ مَعْقُول وَ حَكايَا الآلِهَـةِ المُتَعَدِّدَةِ ، فاعْتَبَرَهَا عُلَمَاءُ الشَريعَةِ أباطِيْـلاً ، وَ قَدْ سَـاعَدَ هَذا لإهْمَالَ ، البُعْـدُ الزَمَنيُّ مَـا بَيْنَ التُراثِ القديمِ وَ بَيْنَ اليَوْمِ ، حَيْثُ لَمْ يَعُدْ للتُراثِ القَديمِ أيَّ تَأثيرٍ يُذْكَرُ في حَيَاةِ النَاسِ هَذِهِ الأيَّامَ ، وَالسُؤالُ الذي يَطْرَحُ نَفْسَهُ بِقُوَّةٍ : هَلْ يَجُوزُ إهْمَالُ دِراسَةِ التُراثِ المِصْريِّ العَريق جِدّاً ، مِنْ أجْلِ فِرْعَوْنٍ طَغى : ( اِذْهَـبْ إلـى فِرْعَـوْنَ إنَّهُ طَـغَـى )[ طه 24 ] وَ غَرِقَ مَعَ جَيْشِهِ في البَحْرِ ، وَ انْتَهى الأَمْرُ ، أمْ أنَّ دِراسَـةَ التَاريخِ القَديمِ دُونَ أسَاطيرِهِ ، هيَ دِراسَةٌ مَبْتُورَةٌ ناقِصَةٌ .
وَ تَخْتَلِفُ الأسْطورَةُ عَنِ التعاليمِ الدينيّةِ ، بِأنَّ الأسَـاطيرَ لاَ تَهْتَمُّ بِإرْشَـادِ البَشَرِ ، مِثْلَمـَا التعاليمُ الدينيّةُ ، وَ الناسُ يَخْتَبرونَ الحياةَ عَلى جانبيْنِ : العِـلْمُ وَ الأُسْطورَةُ ، وَ بِمَـا أنَّ العِلْـمَ يَزْدادُ سَـيْطَرَةً ، فَإنَّ الـوَعْيَ الأُسْـطوريَّ اللاَّعَقْـلانيَّ يَتَراجَعُ ، لأَنَّ الوَعْيَ الأُسْطوريَّ لاَ يَظهَرُ إلاَّ عِنْدَمـَا يَنْهَارُ المجْتَمَعُ العَقْلانيُّ العِلْميُّ .
وَ قَدْ كَانَ سَرْدُ الأَسَـاطيرِ ضَرورَةً حَيَويَّـةً لِلناسِ في الماضي ، لِشَحْـذِ المواهِبِ الروحيَّـةِ التي جَعَلَـتْ الإنسَان يَبْتَكـرُ أَسَاطيرَهُ لِفَهْمِ الكثيرِ مِنَ المعَـاني مِثْلَ : مَعْنى الوِلادَةِ وَ الموْتِ وَ مَا بَعْدَ الموتِ ، وَ مَعنى القَضَـاءُ وَ القَدَرُ وَ الوجُودُ ، وَ الخِصْبُ وَ البُطُولَةُ وَ قيامَـةُ الأمْواتِ وَ الخلودُ ... ، فَلِكلِّ سُـؤالٍ أُسْـطورَةٌ تُجيبُ عليـهِ ، كمَا أنَّ لِكُلِّ مَـزاجٍ أُسْطورَةٌ تُلائمُـهُ ، فبَعيداً عَنِ السُـلوكيّاتِ الدينيّةِ وَ جَدَ الإنْسانُ سُلوكيّاتٍ لاَ مَعْقولَة ٍ وَلاَ مُبَرّرَة إلاَّ عَنْ طَريقِ الأَسَـاطيرِ ، فأبْطالُ الأسَـاطيرِ عِنْدَهُ كانوا يَقومُونَ بأعْمالٍ خَارِقَةٍ ، وَ يُحَقِّقُون كافّةَ الرَغَباتِ وَ الأمَـانيِّ ، وَ يَهْزِمُونَ حتّى الآلِهَـةَ ، مِمّـا يُشِـيرُ إلى انْفِـلاتٍ لِمَكْـبوتاتِ اللاّوَعي الشَـعْبيِّ .
وَ قَدْ أغْنى القُرْآنُ الكَـريمُ العَقْلَ البَشَـريَّ بِمَـواضيعَ تَفوقُ مَـدى التَصَـوُّرِ البَشَـريِّ الذي تَحُـدّهُ قوانينُ الطَبيعَـةِ ، مِثْلَ النَاقَةِ التي خَرَجَتْ مِنَ الصَخْرِ [ ناقَةُ النبي صَـالح ] ، وَ البُراقُ الذي يَسْـتَحيلُ تَصْـنيفَهُ ضِمْنَ أيِّ فَصِيلَةٍ حَيوانيّـةٍ مَـعْروفةٍ ، كُلُّ هَذا كَيْ يَتْرُكَ للفِكْيرِ البشَـريِّ حُـرِيّةَ الانْطِلاقِ وَالتَصَوُّرِ لِمَـا وَراءِ الطَبيعَـةِ وَ قَوانينِهـَا ، بَعْدَ الإيمَـانِ بِهَذِهِ الأحْـداثِ ، وَ نَحْنُ كَمُؤمِنِينَ نَبْحَـثُ عَنِ العَـوامِل المَوْضُـوعيّةِ للحَـدَثِ الدينيِّ مثل [ الإسْـراءِ وَ المِعْـراجِ ] ، وَ نَتركُ اللاَّ مَوْضُوعيَّ فيهِ لِجـانِبِ الإيْمَـانِ ، دُونَ أنْ نكُـونَ قَدِ ارتكبْنـا خَطَـأً في حَـقِّ العِـلْمِ وَ الدينِ مَعَـاً .
وَ الأدْيـَانُ قَدْ جَاءَتْ رَدّاً عَلى الجَهْلِ المَعْـرِفيِّ [ عَصْر الجاهليّةِ ] ، وَ الحديثُ الشَريفُ : [ اللهُمَّ اهْـدِ قَوْمي فإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُـونَ ] ، فالأَسَـاطيرُ أوَّلَ مَـا نَشَـأتْ في المَعَـابِدِ ، وَ كانَتْ مُهِمّتهَا تَقْـديمَ تَفْسِـيرٍ للظَـواهِرِ التي عَجِزَ الإنْسَـانُ عَنِ الوُصُـولِ لإجاباتٍ صَـادِقَةٍ عَنْهـَا ، فَجَـاءَتِ الأُسْـطُورَةُ لِتُفَسِّـرَ الحاضِرَ وَ تُعْطي الأمَـلَ في مُسْـتَقْبَلٍ أفْضَـلَ ، وَ قَـدْ قَسَّـمَتِ الأُسْـطُورَةُ العَمَـلَ إلى يَدَويٍّ وَ ذِهْنيٍّ ، وَ لِهَذا كانَتِ الأَسَـاطيرُ جـزْءاً مِنْ بُنْيَـةِ الأَدْيانِ وَ طُقُوسِ العِبَـادَةِ ، لكنَّهـَا لَـمْ تتّخِذْ صِـفَةَ الإلْـزامِ ، مِمّـا جَعَلَهـَا عُرْضَـةً دائِمَـةً للتَغْـييرِ ، وَ كَذا كانَ مَعَ الأدْيانِ وَ الرِسَـالاَتِ السَـماويّةِ التي كانَ الناسُ يُحَـرِّفونَهَا بلْ وَ يَبْتَدِعُونَ كُتُـباً سَـماويّةً مِنْ تأليفِهِـمْ : ( فَـوَيْـلٌ لِـلّـذينَ يَـكْــتُبُـونَ الـكِـتَابَ بأيْـديهِـمْ ثُـمَّ يَقُـولُـونَ هَـذا مِـنْ عِـنْـدِ اللَّـهِ )[ البقرة 79 ] ، وَ بِسَـبَبِ تَداخُلِ الأَسَـاطيرِ مَعَ الأَدْيانِ فَقَدْ بَدَأتِ المُعْتَقَداتُ بِعِبـادَةِ ظَواهِرِ الطبيعَـةِ : ( وَجَدْتُهَـا وَ قَوْمَهَا يَسْجُدونَ لِلشَمْسِ مِنْ دُونِ اللَّـهِ )[ النمل 24 ] ، لذلك يقول تعالى : ( لاَ تَـسْجُدوا لِلشَمْـسِ وَ لاَ لِلقَـمَـرِ وَ اسْـجُـدوا لِلَّـذي خَـلَـقَـهُـنَّ )[ فصلت 37 ] ، ثُمَّ انتقلت المعتقدات إلى عِبادَةُ آلِهَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ بَدَأتْ إنـاثَاً أوَّلاً : ( أَ فَـرَأيْتُمُ الـلاّتَ وَ الـعُـزَّى وَ مَـنَاتَ الـثَـالِـثَـةَ الأُخْـرى)[ النجم 19 ] ، ثُمَّ ذُكُوراً : ( فَراغَ إلـى آلِـهَـتِهِـمْ فَقَـالَ أَلاَ تَأْكُـلُـونَ )[ الصافات 93 ] ، ثُمَّ تَحَوَّلَ الحُكَّامُ إلى آلِهَةٍ ، فَفِرْعَوْنُ : ( قَـالَ مَـا عَـلِـمْـتُ لَـكُـمْ مِـنْ إلَـهٍ غَـيْـري )[ القصص 38 ] .
كل هـذا و اللـه أعلـم .




ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق