الأحد، 29 مارس 2015

(سورة النساء) تفسير د.علي منصور الكيالي (3)


ســورة النساء (من اية 124 الى اخرها)

( لا يُحـبّ اللـه الـجـهْـر بالسـوء مـنَ القـول )[ النساء 148 ] :
الكلامُ الفاسِـدُ ، خَاصَّةً [ الخَنـَا ] : أيْ كَلاَمُ العُهْـرِ ، يُفْسِـدُ النَفْسَ ، لِذَلِكَ كَانَ القُرْآنُ الكَرِيْمُ الذي هُوَ كَلاَمُ اللّهِ ، يُزَوِّدُ النُفُوسَ بِالطَـاقَةِ السَامِيَةِ ، مِثْلَمَا يُزَوِّدُ الطَعَـامُ الصَالِحُ الجِسْمَ بِالطَاقَةِ الحَيَوِيَّةِ ، فَمُتْعَةُ الحَيَـاةِ في لُقْمَةٍ طَيِّبَةِ وَ كَلِمَةٍ طَيِّبَـةٍ ، لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لاَ يُخْرِجُكَ [ العُسْرُ وَ اليُسْرُ ] عَنِ الأخْلاقِ ، فالعُسْـرُ وَ اليُسْرُ لَيْسَـا خَيْراً أوْ شَـرَّاً بِحَدِّ ذَاتِهِمَا ، بَلْ قَدْ يَكُونانِ خَيْراً أوْ شَـرَّاً ، وِفْقَـاً لِمَـا يُمْلِيَـانِهِ عَلَيْكَ مِنْ شُـعُورٍ .
وَ الأصَـالَةُ : ضَمِيْرٌ طَاهِرٌ ، وَ فِكْرٌ وامِضٌ ، وَ قَلْبٌ نابِضٌ، وَ قَدَمٌ ثَابِتٌ ، وَ يَدُ مَمْدودَةٌ بِالخَيْرٍ ، فَلاَ يُخْرِجُكَ عَمَلُكَ عَنْ ضَمِيْرُكَ ، وَ الإيْمَـانُ يَحْتاجُ إلى وَعْي ، وَ مُشْكِلَةُ كُلِّ أصْحَـابِ دِيْنٍ ، لاَ يَعُونَ مَا هُمْ مُؤْمِنُونَ بِـهِ ، وَ لَوْ وَعَـوْا لَمَـا تَنازَعُـوا ، وَ كَفَّرَ بَعْضُهُـمْ بَعْضَـاً ، وَ ضَعْفُ النُفُوسِ وَ عَدَمُ تَفَهُّمِ الدِيْنِ ، هُوَ الذي جَعَلَ مِنْهُ عِلَّـةَ التَفْرِقَـةِ ، فَدَعْ قُـوَّةَ رَأْيِكَ تَفْرِضُ نَفْسَهَا وَ لَيْسَ قُـوَّةَ يَدِكَ ، و [ قوّة المحبة ] أفضل من [ محبة القوة ] .

( وَ الـمُـقِـيمِـينَ الـصَـلاَةَ وَ الـمُـؤْتُونَ الـزَكَـاةَ )[ النساء 162 ] :
نَصَبَ كَلِمَةَ ( المُقيمينَ ) في قَوْلِهِ تَعالى : ( لَـكِـنِ الـراسِـخُـونَ فـي الـعِـلْـمِ مِـنْهُـمْ وَ الـمُـؤْمِـنُونَ يُؤْمِـنُونَ بِمَـا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَ مَـا أُنْزِلَ مِـنْ قَبْلِـكَ و الـمُـقِـيمِـينَ الـصَـلاَةَ وَ الـمُـؤْتُونَ الـزَكَـاةَ )[ النساء 162 ] ، فالسَبَبُ هُوَ أيْضَـاً : أنَّ [ الواو] لَيْسَتْ [ واو العَطْفِ ] بَلْ [ واو المُعْتَرِضَةِ ] ، فَتَمَّ النَصْبُ عَلى المَـدْحِ [ عَلى الاخْتِصَاصِ ] .

( وَ آتَيْنَـا داوودَ زَبُوراً )[ النساء 163 ] :
الـَزبُورِ : هُوَ الكِتَابُ الذي لاَ يَحْتَوي عَلى تَشْريعٍ ، بَلْ عَلى مَعْلومَاتٍ مُجَـرَّدَةٍ ، فأعْمالُ الناسِ مَثَلاً يَجري تَسْجيلُهَا في الزُبُـرِ: ( وَ كُـلُّ شَـيْءٍ فَـعَـلُـوهُ فـي الـزُبُرِ )[ القمر52 ] ، ( أَمْ لَـكُـمْ بَراءَةٌ فـي الـزُبُرِ )[ القمر43 ] ، وَ الكَثيرُ مِنْ كُتُبِ الأوَّلينَ كَانَتْ زُبُـراً : ( وَ إنَّهُ لَـفـي زُبـُرِ الأوَّلـِينَ )[ الشعراء 196 ] ، ( وَإنْ يُكَـذِّبُوكَ فَقَدْ كَـذَّبَ الـذينَ مِـنْ قَبْلِـهِـمْ جَـاءَتْهُـمْ رُسُـلُـهُـمْ بالـبَيِّنَاتِ وِ بِالـزُبُرِ وَ بالـكِتَابِ الـمُـنيرِ)[ فاطر 25 ] ، ( فَإنْ كَـذِّبُوكَ فَقَـدْ كُـذِّبَ رُسُـلٌ مِـنْ قَـبْلِـكَ جَـاءوا بالـبَيِّنَاتِ وِ الـزُبُرِ وَ الـكِـتَابِ الـمُـنيرِ )[ آل عمران 184 ] ، وَ مِن بَيْنِهَا كِتَـابُ داوودَ عليه السلام : ( وَ آتَيْنَـا داوودَ زَبُوراً )[ الإسراء 55 ][ النساء 163 ] ، و في الشـعر نجـد :
لِمَنِ الطَلَلُ أبْصَرْتُهُ فَشَـجَاني .... كَخَطِّ زَبُـورٍ في عَسيْب يَمَـاني
وَ جَلاَ السُيُولِ عَنِ الطُلولِ كَأَنَّها .... زُبُـرٌ تَجِـدُّ مُتُونُهَـا أقْلامُهُ .

كل هذا والله اعلم.




ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق