‏إظهار الرسائل ذات التسميات سورة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سورة. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 25 مارس 2015

(سورة البقرة) تفسير د.علي منصور الكيالي (3)

سورة البقرة (من اية 253 الى آخر السورة)

آيـة الكـرسـيّ :
إذَا أَجْريْنَـا المُقَـارَنَةَ التَـالِـيَةَ :
بين : ( اللَّهُ نُورُ الـسَـمَـاواتِ وَالأرْضِ)[ النور 35 ] وَ : ( وَسِـعَ كُـرْسِيُّهُ الـسَـمَـاواتِ وَالأَرْضَ )[ البقرة 255 ] ، و بين : ( إنَّ اللّـهَ يُمْـسِـكُ الـسَـمَـاواتِ وَالأَرْضَ أنْ تَزولاَ ) [ فاطر 41 ] و : ( وَلا يَؤُودُهُ حِـفْظُـهُـمَـا )[ البقرة 255 ] .
يَتَبَيَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ : الكُرْسيّ هُوَ أوْتَـارُ الطَـاقَةِ
إذَاً الكُرْسِـيّ : هُوَ أوْتَـارُ الطَـاقَةِ التي يَحْفَظُ بِهَا اللّهُ سُبْحَانَهُ السَماواتِ وَ الأَرْضِ مِنَ الزَوالِ عَنْ طَريقِ [ الأَمْـرِ ] : الذي يُمَثِّلُ الطَـاقَةَ الهَـائِلَةَ الكُلّيَةَ التي يُحَرِّكُ بِهَا الخَالِقُ كُلَّ مَـا خَلَقَ ، لِذَلِكَ : ( أَلاَ لَـهُ الخَلْقُ وَ الأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الـعَـالَـمينَ )[ الأعراف 54 ] .
وَ عَنْ طَريقِ الأَمْـرِ [ القُدْرَةُ الكليّةُ ] يُديرُ اللّهُ أُمُورَ الكَوْنِ : ( وَ أَوْحَـى فـي كُـلِّ سَـمَـاءٍ أَمْـرَهَـا )[ فصلت 12 ] ، وَ عَنْ طَريقِ الأَمْرِ يَكُونُ [ كُنْ ] : ( إنَّمَـا أمْــرُهُ إذا أرَادَ شَـيْئـاً أَنْ يَقُولَ لَـهُ كُـنْ فـَيَكُـونُ )[ يس 82 ] ، ( وَ يَوْمَ يَقُـولُ كُـنْ فَيَـكُـونُ قَـوْلُــهُ الـحَـقُّ )[ الأنعام 72 ] ،لأنَّ : اللّهَ سُبحَانَهُ مُمْسِـكٌ بِكُلِّ خُـيُوطِ الطَـاقَةِ في الكَونِ ، لِذَلِكَ يَسْتَطيعُ اللّهُ وَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ أَنْ يُوجِدَ مَا يَشَاءُ بِأَجْزاءٍ مِنَ الثَانِيَةِ ، حَيْثُ الحَقيقَةُ العِلْمِيَّةُ تَقْتَضِي أَنَّ الإرادَةَ تَتَحَقَّقُ قَبْلَ [ الكَافِ وَ النُونِ بِكَلِمَةِ كُنْ ] ، وَ لَيْسَ بَيْنَ [ الكَافِ وَ النُونِ ] ، لأَنَّ لَفْظَ حَرْفِ الكَافِ يَأْخُذُ ثانِيَةً ، وَ هَذَا زَمَنٌ طَويلٌ جِدَّاً بالنِسْبَةِ لِسُرْعَةِ الضَوْءِ .
.
مَدينَـةُ بـابِـلْ
مَدينَةٌ قديمةٌ تَقَعُ عَلى بُعْدِ 90 كيلو متْراً جنُوبَ غَرْبِ بَغْدادَ في العِراقِ ، وَ مَعْـنى اسْمها : [ بابُ الإلهِ _ بابُ إيلْ ] ، وَ قَدْ وَرَدَ اسْمها في القرْآنِ الكريمِ بَقَوْلِهِ تعالى : ( وَ مَا أُنْزِلَ عَـلى الـمَـلَـكَـيْنِ بِـبَابِـلَ )[ البقرة 102 ] ، وَ يُنْسَبُ لها أُسْـطورَةُ التَكْوين البابليّ .
مِنْ أشْـهَرِ مُلوكِهـَا نَمْـرود الذي كانَ صَيَّـاداً في بدايَـةِ حياتِـهِ ، ثُـمَّ عْطاهُ اللهُ المُلْكَ ، فأسَّـسَ الإمبراطوريّةَ البابليّةَ ، وَ هُوَ الذي حَاجَّ إبْراهيمَ علَيْهِ السلامُ في رَبِّهِ : ( أَ لَـمْ تـَرَ إلى الـذّي حَـاجَّ إبراهـيمَ في رَبِّـهِ أَنْ آتاهُ اللَّـهُ الـمُـلْـكَ ... قالَ أنَا أُحْـيـي وَ أُمِـيْـتُ )[ البقرة 258 ] ، فَقَدْ كانَ جَبّاراً و كافراً .
.
( فَـبُهِـتَ الـذي كَـفَرَ )[ البقرة 258 ]
مِنَ المُثِيرِ لِلدَهْشَةِ أَنَّ إبراهيمَ عليهِ السلام ، كَانَ أَوَّل مَنْ أَدْرَكَ الحَقيقَةَ العِلمِيَّةَ : [ مَـبْدَأَ العَطَالَةِ وَ القُصُورِ الذَاتيِّ ] ، وَ ذَلِكَ مِنْ خِلاَلِ حَديثِهِ مَعَ الكَافِرِ الذي حَاجَّهُ في رَبِّهِ : ( قَالَ إبْراهِـيمُ فَإنَّ اللّـهَ يَأْتي بِالـشَـمْـسِ مِـنَ الـمَـشْـرِقِ فَأْتِ بِهَـا مِـنَ الـمَـغْـرِبِ فَـبُهِـتَ الـذي كَــفَرَ )[ البقرة 258 ]
أيْ طَلَبَ مِنْهُ إبراهِيمُ أنْ يَعْكِسَ دَوران الأَرْضِ كَيْ تَأْتي الشَمْسُ مِنَ المَغْرِبِ ، فَـبُهِـتَ الـذي كَــفَرَ لأَنَّهُ يُشَكِّلُ مَعَ الأَرْضِ جُمْلَةً فيزيائِيَّةً وَاحِـدَةً فَمْهْمَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ فَإنَّهَا قُوَّةٌ دَاخِلِيَّةٌ بالنِسْبَةِ للجُمْلَةِ الفيزيَائِيَّةِ ، وَ مُحَصِّلَتُهَا = 0 ،
نُلاَحِظُ أَنَّ الذي كَفَرَ ، بُهِتَ فَقَطْ عِنْدَمَا طَلَبَ مِنْهُ إبراهيمُ عَكْسَ اتِّجَاهِ دَورانِ الأَرْضِ ، لَكِنَّهُ لَمْ يُبْهَتْ عِنْدَمَا قَالَ لَهُ إبْراهيمُ : ( إنَّ رَبِّي يُحْـيي وَ يُمِـيْتُ )[ البقرة 258 ] ، بَلْ قَالَ : ( أنَا أُحْـيي وَ أُمِـيْتُ )[ البقرة 258 ] ، فَأحْضَرَ شَخْصَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ بِإعْدَامِ أَحَدِهِمَا وَ إبْقَاءِ الآخَرَ حَيَّاً ، وَ قَالَ لإبْراهِيم : هَكَذَا أَنـا أُحْيي وَ أُمِيْتُ ، لِذَلِكَ : ( قَالَ إبْراهِـيمُ رَبِّ أَرِني كَــيْفَ تُحْـيي الـمَـوتـى )[ البقرة 260 ] ، كَيْ يَرى هَذا الكَافِرُ كَيْفَ يَكُونُ إحْيَاءُ الموتى ، فكان الردّ الإلهيّ : ( قال فَخُـذْ أَرْبَعَـةً مِـنَ الـطَـيْرِ فَصُـرْهُـنَّ إلَـيْكَ ثُمَّ اجْـعَـلْ عَـلـى كُـلِّ جَـبَلٍ مِـنْهُـنَّ جُـزْءاً ثُمَّ ادْعُـهُـنَّ يَأْتِيْنَكَ سَـعْـيَاً )[ البقرة 260 ] .
.
الـقُـدْسُ وَ الـمُـقَـدّسُ :
تَعْـني مَنْ يَمْنَحُ الحَيَاةَ لِغَيْرِهِ ، فَلاَ عَجَبَ أنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَحْضَرَ مُوسى إلى الوادِي المُقَدَّسِ : ( إنَّكَ بالـوادِ الـمُـقَدَّسِ طُـوى )[ طه 12 ] ، حَيْثُ تَحَوَّلتِ العَصَـا إلى حَيَّةٍ تَسْعَى ، وَ حِيْنَ هَدَّمَ القُدْسَ بِشَكْلٍ كَامِلٍ [ نَبُو خَذِّ نَصَّرْ ] عَام 585 قبل الميلادِ ، مَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ فاسْتَغْرَبَ عَوْدَتَها للحَيَاةِ : ( أوْ كَـالـذي مَـرَّ عَـلـى قَـرْيَةٍ وَ هِـيَ خَـاوِيَةٌ عَـلى عُـروشِهَـا فَقَالَ أنَّى يُحْي هَذِهِ اللّـهُ بَعْـدَ مَـوْتِهَـا فَأمَـاتَهُ اللّـهُ مِـئَةَ عَـامٍ ثُمَّ بَعَـثَهُ ) [ البقرة 259 ] ، لِيَرى أنَّ القُدْسَ قَدْ عَادَتْ للحَياةِ ، كَمَا أنَّ القُدْسَ وَالمُقَدَّسَ يَمْنَحُ البَرَكَةَ حَوْله : ( الـمَـسْـجِـدِ الأقْصَـا الـذي بَارَكْـنَا حَـوْلَـهُ )[ الإسراء 1 ] .
.
( الـشَـيْطَـانُ يَعِـدُكُـمُ الـفَقْـرَ )[ البقرة 268 ]
وَ الفَقْـرُ لَـهُ أَشْكَالٌ عَديدَةٌ : المَاليّ وَ العِلْميَّ وَ الصِحيّ وَ الإجتماعيّ 000 ، وَ كُلُّ أنْواعِ الفَقْر ِهَذه مَوْجُودَةٌ مَعَ الأَسَفِ في المُجْتَمَعِ العربيّ و الإسْلاميِّ .
وَ الـذي لاَ يَعِيشُ عَصْـرَهُ وَ يَتَفاعَـلُ مَعَـهُ ، هُوَ في خُـسْرٍ : ( وَ الـعَـصْـرِ إنَّ الإنْسَـانَ لَـفـي خُـسْـرٍ )[ العصر 1 ] ، و العصـرُ هو : العصر الذي يَعيشُ بِـهِ الإنْسَانُ .
وَ نِسْـبَةُ الأُمِيَّـةِ في المُجْتَمَعِ العَربيِّ مُخِيفَـةٌ ، وَ نظـافةُ النَصّ المحفوظِ [ القُرآنُ الكريمُ ] ، لـمْ تنتقلُ إلى [ نظـافَةِ الفهْـم ] ، وَ نظـافَةِ الأخلاقِ و البيْئةِ و السلوكِ ، فبقيَتْ هذه الأمّة في [ فقْـرهـا ] العلميّ و الحضاريّ ... ، و هـذا مَا يُريْدُه الشـيْطانُ .
.
فَـنَـظِـرةٌ إلى [ مَـيْسَـرة ] :
( وَ إنْ كَـانَ ذُو عُـسْـرَةٍ فَنَظِـرَةٌ إلـى مَـيْسَـرَةٍ )[ البقرة 280 ] ، وَ [ مَيْسَرَة ] مُنْتَهى اليُسْـرِ وَ لَيْسَ اليُسْرُ العَاديُّ ، فعلى الدائن انتظار المدين حتى يُصبح في ميسَرة و يحلّ جميع مشاكله المالية ، ثُمّ يُطالبه بالدين .
يُصَاغُ الاسْمُ في اللُّغَةِ عَلى وَزْنِ [ مَفْعَلَة ] لِلدَلاَلَةِ عَلى الكَثْرَةِ ، فَحَيْثُ تَكْثُرُ الدِراسَةُ
[ مَدْرَسَة ] ، وَ حَيْثُ يَكْثُرُ العِراكُ [ مَعْرَكَة ] وَ حَيْثُ تَكْثُرُ القُبُورُ [ مقْبَرَة ] وَ حَيْثُ يَكْثُرُ الطَحْنُ [ مَطْحَنَة ] ، وَ حَيْثُ تَكْثُرُ الكُتُبُ [ مَكْتَبَة ] ، وَ حَيْثُ تَكْثُرُ الطِباعَةُ [ مَطْبَعَة ] ، وَ هَكَذَا نَجِدُ في القُرْآنِ الكَريمِ ، الكَثيرَ مِنَ الأَمْثِلَةِ :
( أَوْ إطْـعَـامٌ في يَوْمٍ ذِي مَـسْـغَـبَةٍ )[ البلد 14 ] وَ المَسْغَبَةُ : الجُوعُ الشَديدُ ، وَ المَخْمَصَةُ : المَجَاعَةُ ( فَمَـنِ اضْـطُـرَّ في مَـخْـمَـصَـةٍ )[ المائدة 3 ] ، وَ كَثْرَةُ الرَحْمَةِ [ مَرْحَمَة ] : ( الـذينَ آمَـنُوا وَ تَواصَـوْا بِالـصَـبْرِ وَ تَواصَـوْا بِالـمَـرْحَـمَـةِ )[ البلد 17 ] ، كَمَا أنَّ كَثْرَةَ الشُؤْمِ [ مَشْأَمَة ] : ( وَ الذينَ كَفَروا بِآيَاتِنَا هُـمْ أصْـحَـابُ الـمـَشْأَمَةِ )[ البلد 19 ] .
.
المُحكـمـات و الـمـتشـابهات :
( هُـوَ الـذي أنْزَلَ عَـلَـيْـكَ الـكِـتَابَ مِـنْهُ آيَاتٌ مُـحْـكَـمَـاتٌ هُـنَّ أُمُّ الـكِـتَابِ وَ أُخَـرُ مُـتَشَـابِهَـاتٌ فَأمَّـا الـذينَ فـي قُـلُـوبِهِـمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُـونَ مَـا تَشَـابَهَ مِـنْهُ )[ آل عمران 7 ]
نُلاَحِظُ أنَّ بَعْضَ آياتِ القُرْآنِ الكَريمِ ، قَدْ يَبْدو لِلْوَهْلَةِ الأُولى أنَّهَا تُعَارِضُ بَعْضَهَا بَعْضَاً مِثْل : ( فَيَوْمَـئِـذٍ لاَ يُسْـأَلُ عَـنْ ذَنْبِهِ إنْـسٌ وَ لاَ جَـانٌ )[ الرحمن 39 ] ، وَ بَيْنَ : ( فَوَ رَبِّكَ لَـنَسْـأَلَـنَّهُـمْ أَجْـمَـعِـينَ )[ الحجر 92 ] ، وَ لَكِنْ : الآية الثانية هي [ مُحْكمة ] و الأولى [ مُتشابهة ] ، أيْ لا بُدّ من سؤال جميع الناس عن أعمالهم ، و الآية الأولى تتحدّث عن [ بداية ] يوم الحساب ، و لكن بعد ذلك سيتمّ سؤال الجميع ، فلا تعارض بين الآيتين الكريمتين ، لذلك يجب ردّ الآيات [ المُتشابهات ] إلى الآيات [ المُحكمات ] ، فالذينَ في عقولهم [ زيْغٌ = نقص ] هُم وحدهُم الذين يتّبعون فقط الآيات [ المُتشابهات ] من أجْل إثارة الفتنة .
.
شَـهِـدَ اللّـهُ أَنَّهُ لاَ إلَـهَ إلاَّ هُـوَ :
إنَّ شَهَادَةَ : [ لا إلـهَ إلاَّ اللّـهُ ] هيَ أسَاسُ إسْلاَمِ الإنْسَانِ ، وَ بِدُونِهَا يَكُونُ الإنْسَانُ مُشْرِكَاً ، وَهِيَ شَـهَادَةٌ يَشْهَدُهَا المُسْـلِمُ عَلى أَنَّـهُ لاَ يُوجَدُ في الوُجُودِ كُلِّهِ إلاَهَـاً آخَـرَ ، و بمـا أنّ : [ اللّـهُ أَكْـبَرُ ، اللّـهُ أَكْـبَرُ ] ، لِذَلِكَ فَإنَّ اللّهَ وَحْدَهُ قد أعطانا هَذِهِ الحَقيقَةَ بِأَنَّـهُ لاَ يُوجَدُ في الوُجُودِ إلَهٌ سِواهُ ، فَكَانَ أَوَّل مَنْ شَـهِدَ بِذَلِكَ : ( شَـهِـدَ اللّـهُ أَنَّهُ لاَ إلَـهَ إلاَّ هُـوَ وَ الـمَـلائِـكَـةُ وَ أُولـُوا الـعِـلْـمِ قَائِـمَـاً بالـقِسْـطِ )[ آل عمران 18 ] ، إذَاً نَحْنُ نَشـهَدُ على شَـهَادَةِ اللّه بِأنَّـهُ : [ لا إلـهَ في الوجودِ كلِّـهِ إلاَّ اللّـهُ ] ، وَ لَمَّـا وَصَلَتْنَـا هَذِهِ الحَقيقَةُ عَنْ طَريقِ الرَسُولِ صلى الله عليه و سلم ، فَلاَ بُـدَّ مِنْ إتْمَـامِ الشَـهَادَةِ بالاعْتِرافِ بِـهِ رَسُـولاً مِنْ عِنْدِ اللّهِ ، فَكَانَتِ الشَهَادَّةُ التَـامَّةُ : [ أَشـهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللّهُ وَ أَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللّهِ ] .

كل هذا والله اعلم .




الثلاثاء، 17 مارس 2015

(سورة البقرة) تفسير د.علي منصور الكيالي (1)




ســورة البـقـرة (من اية 1 الى 141)

هِيَ أطْوَلُ السُوَرِ المَدَنيَّةِ ، ترتيبُهَا في المُصْحَفِ [ 2 ] ، وَ تَرْتيبُ نُزُولِهَـا [ 87 ] حيثُ نزلت قبل سورة الأنفال و بعد سورة المطففين ، وَ عَدَدُ آيَاتِهَا [ 286 ] آيَة ،

إنّ بداية سورة البقرة و خاصّةً الصفحة المُقابلة لسورة الفاتحة ، تُحدّد صفات [ المتّقين ] الذين سيكونون هُم [ المفلحون ] يوم الحساب ، و الكَلِمَاتِ الأولى مِنْ كِتَابِ اللّهِ هيَ : ( ذَلِـكَ الـكِـتَابُ لاَ رَيْـبَ فِـيـهِ )[ البقرة 2 ] ، نُلاحِظُ أنَّهُ قَالَ : ( ذَلِـكَ الـكِـتَابُ ) ، وَ لَمْ يَقُلْ : [ هَـذا الكِتَابُ ] ، لأنَّ : ( ذلِكَ ) تُفيدُ البُعْـدَ ، أيْ أنَّ : كِتَابَ القُرْآنِ الكريمِ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ ( لا رَيْبَ فِيهِ ) ، وَ لَنْ يَسْتَطيعَ أحَدٌ إيجَادَ أيِّ رَيْبٍ فيهِ ، حَتَّى في رَسْمِ كَلِمَاتِهِ كَكِتابٍ ، بالرَغْمِ مِنْ تَنَوّعِ مَواضِيعِهِ في شَتّى المَجالاتِ كالتَشْريعِ وَ الفَلَكِ وَ الطبِّ وَ الطبيعَةِ .... .

و تُعتبر سورة البقرة [ مُلَخَّصَاً ] لِكُلِّ القُرْآنِ الكَريمِ ، لِذَلِكَ كَانَ الصَحَابَةُ الكِرامُ عليهم رضوان الله جميعاً ، يَحْرَصُونَ عَلى حِفْظِهَا غَيْبَاً وَ كَانُوا يُدْعَوْنَ : [ أصْحابَ سُورَةِ البَقَرَةِ ] ، وَ تَبْدَأُ السُورَةُ بِبِيَانِ سُبُلِ الهِدايَةِ [ الآيات مِنْ 1 إلى 8 ] ، ( بَعْدَ أنْ وَرَدَ في سُورَةِ الفَاتِحَةِ آية : ( اِهْدِنا الصِراطَ المُسْتَقيمَ ) .

ثُمَّ تُوضِحُ السُورَةُ أنَّهُ سَيَكُونُ هُناكَ مُنافِقُونَ يَتَظَاهَرونَ بالإيْمَانِ ، وَ أنَّ هُناكَ طَائِفَة إيْمَانُهَا ضَعيفٌ تُحَاوِلُ إقَامَةَ عَلاقَاتٍ سِرِيَّةٍ مِعَ هَؤلاَءِ المُنافِقِينَ [ الآيات مِنْ 9 إلى 21 ] ، وَ أنَّ عَلى كُلِّ شَخْصٍ أنْ يَصِلَ بِمَعُونَةِ القُرْآنِ إلى رَبِّهِ ، وَ إذَا كَانَ يَتَّبِعُ غَيْرَ دِينِ القُرْآنِ ، فَعَليْهِ أنْ يُقَارِنَ دِينَهُ مَعَ دِينِ القُرْآنِ ، وَ إذَا رَفَضَ المُقَارَنَةَ وَ الحُجَّةَ وَ قِياسَ صِدْقِ القُرْآنِ مَعَ صِدْقِ الكُتُبِ السَماويَّةِ السَابِقَةِ ، فَلاَ مَفَرَّ مِنْ عَذَابِ النَارِ ، فَلِمَاذَا يَخْلُقُونَ الأَعْذَارَ لِعَدَمِ قَبُولِ الحَلَقَةِ الأَخيرَةِ لِنِظَامِ الارْتِقَاءِ الإيْمَانيِّ [ الآيات مِنْ 22إلى 30 ] ، ثُمَّ تَذْكُرُ الحَلَقَةَ الأولى مِنَ السِلْسِلَةِ وَهُوَ آدَمُ عليه السلام ، فالذينَ احْتَرَمُوا آدَمَ مَلاَئِكَةٌ ، وَ الذينَ لَمْ يَحْتَرِمُوه ُشَيَاطِينٌ [ الآيات مِنْ 31 إلى 40 ] ، وَ أنَّ اللّهَ قَدْ أرْسَلَ رُسُلاً تَتْـرا ، وَ مِثَالُ مُوسى عليه السلام لَيْسَ بِبَعيدٍ ، ثُمَّ تُفَنِّدُ السُورَةُ حُجَجَ وَ جِدَالَ المنافقين عَلى تَحْويلِ القِبْلَةِ وَ غَيْرِهَا ، [ الآيات مِنْ 123إلى 153 ] ، وَ في النِصْفِ الثَاني مِنَ السُورَةِ تَتَوَضَّحُ جَميعُ الأَحْكَامِ وَ العِبادَاتِ الإسْلاَمِيَّةِ بَدْأً مِنَ الآيَةِ 214 : ( يَسْـأَلُـونَكَ 000 يَسْـأَلُـونَكَ 000 يَسْـأَلُـونَكَ ) ، ثُمَّ تُخْتَتَمُ السُورَةُ بِأفْضِلِ الأدْعِيَةِ .

.

اسـتوقـد نـاراً :

إنّ كلمة [ استوقد ] تختلف عن كلمة [ أوقد ] ، فكلمة [ أوقد ] تُستخدم للنار المعروفة : ( فَـأَوْقِـدْ لِـي يَا هَـامَـانُ عَـلـى الـطِـيْنِ )[ القصص 38 ] ، أمّـا كلمة [ استوقد ] فهي لنـار [ الحقد و الكراهية ] للآخرين ، و هذا يضع الجسم في حالَةِ [ الحُموضَةِ ] وَ يُذْهِبُ الطاقَة للشخص والذين يُحيطون بـه ، لذلك تقول الآية : ( مَـثَلُـهُـمْ كَـمَـثَلِ الـذي اِسْـتَوْقَـدَ نَاراً فَلَـمَّـا أَضَـاءَتْ مَـا حَـوْلَـهُ ذَهَـبَ اللّـهُ بِنُورِهِـمْ )[ البقرة 17 ] ، و لم تقُل : [ بنـوره ] .

.

جـاعـل في الأرض خـليفة :

كَانَ الملائكَـةُ يُراقِبُـونَ مَـا يَجْري عَلى الأرض ، دُونَ أيِّ سؤالٍ لِلخالِـقِ عَمّـا يَجْري فيهَـا ، إلى أنْ : ( قالَ ربُّكَ لِلـمَـلائِـكَـةِ إنّي جَـاعِـلٌ في الأَرْضِ خَـلـيفَةً ) [ البقرة 30 ] و كلمة [ جَـاعِـلٌ ] بِصِيغَةِ [ فاعِـلْ ] ، للدَلاَلَةِ على أنَّ الأمْرَ قَدْ أصْبَحَ واقِعَاً ، فالخَليفَةُ مَوْجُودٌ فِعْـلاً وَ يَحْتَاجُ فَقَطْ للتكليف ، لِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهُمْ : سَـأجْعَلُ ، أيْ : قاصِداً آدَمَ عليه السلام مِنْ بَيْنِ كُلِّ المخْلوقاتِ الأُخْرى عَلى الأرْضِ ، فَقَدِ اخْتَـارَ اللهُ آدَمَ اِخْتياراً مِنْ بَيْنِها : ( إنَّ اللَّـهَ اصْـطَـفـى آدَمَ )[ آل عمران 33 ] ، عِنْدَ ذَلِكَ اسْتَغْرَبَ الملائِكَةُ هَذا الاخْتِيَارَ : ( قَالوا أَتَجْـعَـلُ فيهَـا مـَنْ يُفْسِـدُ فيهَـا وَ يَسْـفِكُ الـدِمَـاءَ )[ البقرة 30 ] ، و كلمتيْ : [ يُفْسِـدُ ] و [ يسفك ] فعل مضارع يدل على الحاضر و ليس على المستقبل ، لأَنّهمْ كانوا يُراقِبونَ تَصَرّفاتِ آدَمَ عَلى الأرْضِ مِنْ تَخريبٍ للبيئَـةِ ، وَ لَمْ يكُنِ الأمْرُ غيبيًا علَيهم لأنّـهُ لاَ يعْلَمُ الغَيْبَ إلاّ اللّـه سُبْحَانَهُ : ( وَ عِـندَهُ مَـفَاتِحُ الـغَـيْبِ لاَ يَعْـلَـمُـهَـا إلاَّ هُـوَ ) [ الأنعام 59 ] ، وَ لأنَّ الفَسَادَ في الأرْضِ سَبَبُهُ الإنْسَانُ فَقـطْ : ( ظَـهَـرَ الـفَسَادُ في الـبَرِّ والـبَحْـرِ بِمَـا كَـسَـبَتْ أَيْدي الـنَاسُ) [ الروم 41 ] ، أيْ أنَّ ظُهورَ الفَسَـادِ في الأرْضِ تَـوافَقَ مَعْ ظُهُورِ الإنْسَـانِ عليْهَا .

و معنى كلمة [ خليفةً ] ، أيْ : يخلُفُ بعضه بعضاً ، و ليس خليفة لله سبحانه ، لأنّ سبحانه ليس له خليفة .

.

علّم آدم الأسماء كلّهـا :

إنَّ أهَمَّ مَا نُقَابِلُ مِنَ المُفْرَداتِ اللّغَويَّةِ ، هيَ : [ الأسْـماءُ ] ، وَ التَسْـمِيَةُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ اعْتِباريّةٍ ، فَيُمْكِنُنا إطْلاقُ أيِّ رَمْـزٍ أَوْ مُصْطَلَحٍ [ اسْم ] نُريْدُ عَلى عُنْصُـرٍ مَـا ، مِثْلَ تَسْـمِيَةِ الأوْلادِ المَواليْد ، وَ مِنَ الأفْضَلِ أنْ يَدُلَّ الاسْـمُ على تَعْريْفِ المُسَـمّى ، لِذَلِكَ يَجِبُ أنْ يُعَلَّـمَ الاسْمُ تَعْليْمـاً : ( وَ عَـلَّـمَ آدَمَ الأسْـمَـاءَ كُـلَّـهَـا )[ البقرة 30 ] ، فَاللّـهُ سُبْحانَهُ قد [ عَلَّمَ ] وَ لَيْسَ [ لَقَّنَ ] آدَمَ : [ الإنْسانُ الأوَّلُ ] جَميعَ الأسْماءِ ، لأنَّ الأسْـماءَ [ فِطْرِيَّـةٌ ] لَدى الإنْسَانِ ، وَ لَيْسَتْ مُكْتَسَبَةً ، فاللّغَةُ مَوْجُودَة في الطَبيعَةِ وَ لَوْ لَمْ يُوجَدُ الإنْسَانُ ، فَكُلُّ طِفْلٍ وَ مُنْذُ وِلاَدَتِهِ يَكُونُ مُزَوَّداً بِمبادىءِ النَحْوِ العالميِّ ، وَهَذَا مَا يَسْمَحُ لَهُ بِتَعَلُّمِ أيِّ لُغَـةٍ يَحْتَكُّ بِها في مُحيطِهِ الإنْسانيِّ ، وَ هَذِهِ المَبادىءُ جُزْءٌ مِنَ [ الطبيْعَةِ الإنْسانيَّةِ ] التي تَنْتَقِلُ وِراثِيّاً مِنَ الآباءِ إلى الأبْناءِ : ( وَاخْـتِلافُ ألْـسِـنَتِـكُـمْ وَألْـوانِـكُـمْ إنَّ في ذَلِـكَ لآيَاتٍ لِلْـعَـالَـمِـيْن )[ الروم 22 ] .

فالمَطْلُوبُ هُوَ إيْجادُ [ نظريّة لُغَويّة ] جديْدة تُضِيْفُ أسْماءً وَ معان جديْدة ، وَ لِكُلِّ الأفعالِ اللغويّة ، عِنْدَ ذَلِكَ نَجِدُ أنَّ اللّغَةَ العربيّةَ وَحْدها القادِرَة على اسْتيعابِ جَميعِ الأسْماءِ وَ المُصْطلحاتِ التي تَظْهَرُ مَعَ التَقَدُّمِ العِلميِّ الهائِلِ ، وَ هَذا ما أدْرَكَهُ بِوَعْيٍ شَاعِرُ النيلِ [ حافِظ إبراهيم ] قائِلاً باسمِ اللّغَةِ العربية :

فَكَيْفَ أَضِيْقُ اليَـوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَـةٍ وَ تَنْسِـيْقِ أسْـماءٍ لِمُخْتَـرعـَاتِ

دعـاء إبراهيم عليه السلام :

لَقَدْ كَانَ دُعَـاءُ أبينَـا إبراهيمُ عليه السلام : ( رَبَّنَا وَابْعَـثْ فِيْهِـمْ رَسُـولاً مِـنْهُـمْ يَتْلُـوا عَـلَـيْهِـمْ آيَاتِـكَ وَ يُعَـلِّـمُـهُـمُ الـكِـتَابَ وَالـحِـكْـمَـة وَ يُزَكِّـيْهِـمْ )[ البقرة 129 ] ، وَ لكِنَّ اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ على هَذِهِ الأُمَّةِ : ( لَـقَـدْ مَـنَّ اللّـهُ عَـلَـى الـمُـؤْمِـنينَ إذْ بَعَـثَ فِيهِـمْ رَسُـولاً مِـنْ أَنْفُسِـهِـمْ يَتْلُـوا عَـلَـيْهِـمْ آيَاتِـهِ وَ يُزَكِّـيْهِـمْ وَ يُعَـلِّـمُـهُـمُ الـكِـتَابَ وَ الـحِـكْـمَـةَ )[ آل عمران 164 ] ، حَيْثُ نُلاحِظُ أنَّ اللّهَ اسْتَجابَ دُعَاءِ إبراهيمَ ، لَكِنَّهُ جَعَلَ [ التَزكِيَةَ ] ثانيـاً .

كلّ هـذا و اللـه أعْلم .




                                            

(سورة البقرة) تفسير د.علي منصور الكيالي (2)

سورة البقرة (من اية 142 الى 252)

( و منْ حيثُ خَرجْتَ فولّ وجهَـكَ شـطْر المسـجد الحـرام )[ الآيتان 149 / 150 ] ، هذا الأمْر الذي ورَد في آيتين متتاليتين لأهميته ، يطلب من كل مسلم و مسلمة أنْ يتّجه و لو للحظات نحو المسجد الحرام ، ليْسَ في أوقات الصلاة فحسْب ، و لكن منْ أيّ مكانٍ يخرُجُ منه ، سواءٌ كان من محلّ تجاريّ ، أو من سيّارته ، أو منْ بيته ..... ، عليه إعطاء إلتفاته و لو قصيرة نحو المسجد الحرام ، كي يتزوّد ب [ الطـاقة ] التي ينشُـرُهـا المسجد الحرام في كلّ الكرة الأرضية ، ثُمّ يُتابع سيره و سوف يرى الحيوية و النشاط التي يشعر بهـا .

إنّ الاتجَاهَ إلى المسْجِدِ الحَـرامِ هُـوَ مِنْ أجْلِ الانسِـجامِ مَعَ الفِطْرَةِ الإنسَـانيّةِ في التوجُّهِ نَحْوَ المَوْطِنِ الأوَّلِ للإنسَـانيّةِ ، فَحينَمـا كانَ صلى الله عليه وسلم يَتَوَجَّهُ في صَلاتِهِ نَحْوَ المسجِدِ الأقْصى ، كَانَ ظَهْرَهُ نَحْوَ المسْجِدِ الحَرامِ [ 180 درجة ] ، وَ هَذا لَمْ يَتَوافَقْ مَعَ فِطْرَتِهِ الإنسانيّةِ : ( قَـدْ نَرى تَقَـلُّـبَ وَجْـهِـكَ فـي الـسَـمَـاءِ فَـلَـنُوَلِّـيَنَّـكَ قِـبْلَـة ً تَرْضَـاهَـا فَـوَلِّ وَجْـهَـكَ شَـطْـرَ الـمَـسْـجِـدِ الـحَـرامِ وَ حَـيْثُ مَـا كُـنْتُـمْ فَـوَلُّـوا وُجُـوهَـكُـمْ شَـطْـرَهُ )[ البقرة 144 ] ، أي : ترْضَاهَا فِطْرَتُكَ الإنْسَـانيّة ، وَ حَتّى غَيْرِ المسْلمينَ يَعْلَمونَ هَذِهِ الحقيقةَ : ( وَ إنَّ الـذينَ أُوتُـوا الـكِـتَابَ لَـيَعْـلَـمُـونَ أَنَّـهُ الـحَـقُّ مِـنْ رَبِّهِـمْ )[ البقرة 144 ] ، لِذَلِكَ كانَ وُجُوبُ التَوَجّهِ للمَسْجِدِ الحَرامِ لِعَدَمِ مُخالَفَةِ الحقيقَةِ مِنْ جِهَة ، وَ عَدَمَ تْرْكِ المَجالِ لِحَديثِ المُغْرضينَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرى : ( وَ حَـيْثُ مَـا كُـنْتُـمْ فَـوَلُّـوا وُجُـوهَـكُـمْ شَـطْـرَهُ لِـئَـلاّ يَكُـونَ لِلـناسِ عَـلَـيْكُـمْ حُـجَّـةٌ ) [ البقرة 150 ] ، لأنَّ المُنَـافِقِينَ المُغْرضينَ يَرْفَضونَ هَذا الأمْرَ : ( وَ لَـئِـنْ آتَيْتَ الـذينَ أُوتُـوا الـكِـتَابَ بِكُـلِّ آيَةٍ مَـا تَبِعُـوا قِـبْلَـتَكَ )[ البقرة 145 ] .

( وَ مَـا جَـعَـلْـنَا الـقِـبْـلَـةَ الـتي كُـنْتَ عَـلَـيْهَـا إلاَّ لِـنَعْـلَـمَ مَــنْ يَتَّبِعُ الـرَسُـولَ مِـمَّـنْ يَنْقَـلِـبُ عَـلـى عَـقِـبَيْـهِ )[ البقرة 143 ] ، و الـقِـبْـلَـةَ الـتي كُـنْتَ عَـلَـيْهَـا هي : الاتّجاهِ إلى المسـجدِ الأقصى ، و قد كَانَتْ مَـرْحَلَة اخْتِبـارٍ مُؤقَّـتَةً ، وَ لَيْسَتْ قِبْلَةً دائِمَةً ، لِذَلِكَ كَانَ قَوْلُ المُنـافِقينَ السَـاخِرَ : ( سَـيَقُولُ الـسُـفَهَـاءُ مِـنَ الـنَاسِ مَـا وَلاَّهُـمْ عَـنْ قِبْلَـتِهِـمُ الـتي كَـانُوا عَـلَـيْـهَـا )[ البقرة 142 ] ، [ تَمَّ تَحْويلُ القِبْلَةِ منَ القدس إلى مكّة ، بَعْدَ الهِجْرَةِ بِ / 17 / شَهْراً ]

وَ التوَجُّـهُ نَحْـوَ الكَعْبَةِ أمْـرٌ لَيْسَ بالسَـهْلِ عَلى غَيْرِ الذينَ هَداهُمُ اللّـهُ للاتّجاهِ إليْـهِ : ( وَ إنْ كَـانَتْ لَــكَـبيرَةً إلاَّ عَـلـى الـذينَ هَـدى اللَّـه ُ)[ البقرة 143 ] ، [ الـلاّم في بداية كلمة لكبيرة هي : الـلاّمُ الفارقـة ] .

.

( إنَّا لِلَّـهِ وَ إنَّا إلَـيْهِ رَاجِـعُـونَ )[ البقرة 156 ]

في هَذِهِ العِبَارَةِ الرَائِعَـةِ التي جَاءَتْنـَا عَلى شَكْلِ آيَـةٍ كَريمَـةٍ مِنَ الخَالِقِ تعالى ، فيهَا نَفْيٌ مَنْطِقيٌّ لِلظُلْمِ عَنْـهُ تعالى ، فَلَمّا كَانَ تَعْريفُ الظَالِمِ أنّـهُ : هُوَ [ الذي يَتَصَرَّفُ بِمَـا لاَ يَمْلُكُ ] ، وَ لَمّـا كَانَ كُلُّ مَا في الوُجُودِ مُلْكٌ للخَالِقِ سُبْحَانَهُ : ( فَسُـبْحَـانَ الـذي بِيَدِهِ مَـلَـكُـوتُ كُـلِّ شَـيْءٍ )[ يس 83 ] ، فَإنِّهُ سبحانه يَتَصَرَّفُ فيمَا يَمْلُكُ ، وَ مَنْ تَصَرَّفَ فيمَا يَمْلُكُ لاَ يَظْلِمُ أحَدَاً : ( إنَّ اللَّـهَ لاَ يَظْـلِـمُ مِـثْقَالَ ذَرَّةٍ )[ النساء 40 ] ، لأَنَّ كُلَّ ذَرَّةٍ في الوُجُودِ مُلْكٌ شَخْصيٌّ لَـهُ ، أمَّـا أيُّ أحَدٍ سِواهُ فَلَيْسَ لَـهُ مِنَ المُلْكِ شَـيْئاً : ( وَ الـذينَ تَدْعُـونَ مِـنْ دُونِهِ مَـا يَمْـلِـكُـونَ مِـنْ قِـطْـمـيرٍ )[ فاطر 13 ] ، وَ القِطْميرُ هُوَ : غِشَـاءُ نَواة التمْرِ ، لِذَلِكَ كَانَ المَنْطِـقُ يَقْتَضي : ( لاَ يُسْـأَلُ عَـمَّـا يَفْعَـلُ وَ هُـمْ يُسْـأَلُـونَ ) [ الأنبياء 23 ] ، لاَ يُسْـأَلُ عَـمَّـا يَفْعَـلُ لأنَّهُ : يَصَرّفُ فيما يَمْلُكُ ، وَ هُـمْ يُسْـأَلُـونَ لأنَّهُم يَتصَرّفُون في مُلْكِـهِ ، وَ لَيْسَ في مُلْكِهِمْ .

وَ نُلاَحِظُ أنَّ الآيَةَ الكَريمَةَ في سُورَةِ يس ، قَدْ أَوْرَدَتْ كَلِمَةَ مَـلَـكُـوتُ : ( بِيَدِهِ مَـلَـكُـوتُ كُـلِّ شَـيْءٍ )[ يس 83 ] ، وَ المَلَكُوتُ غَيْرُ الملكيَّةِ ، فالمُلْكِيَّةُ تَكُونُ ظَاهِريَّةً للشَـيْءِ ، أمَّا المَلَكُوتُ فَهُوَ مُلْكِيَّةُ كُلِّ ذَرَّةٍ في الشَيْءِ ، فَنَحْنُ لَسْنَا عَبيدَاً وَ مُلْكَاً ظَاهِريّاً لِلّهِ فقط ، بَلِ اللّهُ يَمْلِكُ وَ يَحِقُّ لَـهُ التَصَرُّفُ بِكُلِّ ذَرَّةٍ فينـَا مَتى مَا يَشَاءُ وَ كَيْفما يَشَـاءُ ، وَ هَذَا هُوَ المَلَكُوتُ : ( إنْ يَشَـأْ يُذْهِـبْـكُـمْ وَ يَأْتِ بِخَـلْـقٍ جَـديدٍ )[ فاطر 16 ] ، بَيْنَمَا تَكُونُ المُلْكيَّةُ ذَاتُ شَكْلٍ ظَاهريٍّ فالذي يَمْلِكُ حِصَانَاً مَثَلاً ، يَمْلِكُهُ بِشَكْلِهِ الظَاهريِّ [ حَقُّ الانْتِفاعِ ] ، لاَ بِشَكْلِ مَلَكُوتِ كُلِّ ذَرَّةٍ فيـهِ .

فَـإذَا أَصَابَتِ الإنْسَانَ مُصِيبَةٌ قَالَ : ( إنَّا لِلَّـهِ وَ إنَّا إلَـيْهِ رَاجِـعُـونَ )[ البقرة 156 ] ، أيْ : نَحْنُ مُلْـكٌ للّـهِ وَ اللّـهُ قَـدْ تَصَـرَّفَ فيمـا يَمْلُكُ ، وَ في هَذا نَفْيٌ للظُلْمِ عَنِ اللهِ سُـبْحَانَهُ ، فَنُلاَحِظُ أنَّ الإنْسَانَ بِقَوْلِهِ هَذَا يَنْفي الظُلْمَ عَنِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ ، باعْتِرافِهِ أنَّ اللّهَ قَدْ تَصَرَّفَ فيما يَمْلُكُ ، فَيَكُونُ جَزاءُ الذينَ يَقُولُونَ هَذا القَوْل ِ، مُعْتَرِفينَ بِعَدَمِ ظُلْمِ اللّـهِ لَهُمْ : ( أُولَـئِـكَ عَـلَـيْهِـمْ صَـلَـواتٌ مِـنْ رَبِّهِـمْ وَ رَحْـمَـةٌ)[ البقرة 157 ] ، و صَـلَـواتٌ أي : سكينَةٌ و اطْمِئْنانٌ في الدُنْيا وَ الآخِرَةِ ، وَ هَذِهِ الرحْمَةُ كافيَـةٌ لِدُخُولِهِمُ الجَنّـَةَ .

.

الصَــفـا و الـمـروة :

يَطوف الحُجّاجُ بَيْنَ صخرتيْ [ الصَفـا ] و معناهـا : الصخرة الملساء ، وَ مُذَكَّرُ الصَـفا : صَفْوانٌ [ الحَجَرُ الأمْلَسُ ] : ( فَمَـثَـلُـهُ كَـمَـثَـلِ صَـفْـوانٍ عَـلَـيْهِ تُرابٌ )[ البقرة 264 ] ، أمّا [ المَروَة ] فـمعناهـا : الصخرة البيضاء ، وَ يَحْلِقونَ شُعُورَهُمْ عِنْدَ المَرْوَة : ( إنَّ الـصَــفَـا وَ الـمـرْوَةَ مِـنْ شَـعَـائِرِ اللّـهِ فَمَـنْ حَـجَّ الـبيتَ أوِ اعْـتَمـرَ فَلاَ جُـناحَ عَـلَـيْهِ أنْ يَطَّـوَفَ بِهِـمَـا )[ البقرة 158 ] .

و المسافة بين الصفـا و المروة هي / 420 / متر ، ففي السعي بينهُمـا سبعة أشواط ، يكون الحاجّ قد سار حوالي / 3 كيلومتر / ، و هذه رياضةٌ للمشي فيهـا كل الصحة و الحيوية إضافةً لثوابهـا الكبير .

يقولُ خُوَيْلـدُ الهُـذَليّ :

حتّى كَأنيّ للحَوادِثِ مَـرْوَةٌ بِصَـفا المُشَـرِّقِ كُلَّ يـومٍ تُقْرَعُ

يتربّصـنَ ، وصـيّةً :

مَوْضُوعُ العِدَّةِ : ( وَ الـذينَ يُتَوَفَّـوْنَ مِـنْـكُـمْ وَ يَذَرونَ أَزْواجَـاً يَتَـرَبَّصْـنَ بِأنْفُسِـهِـنَّ أَرْبَعَـةَ أَشْـهُـرٍ وَ عَـشْـراً فَإذا بَلَـغْـنَ أَجَـلَـهُـنَّ فَـلاَ جُـنَاحَ عَـلَـيْـكُـمْ فِيمَـا فَعَـلْـنَ فـي أَنْفُـسِـهِـنَّ بِــالـمَـعْـروفِ )[ البقرة 224 ]

استَخْدَمَ حَرْفَ [ البَـاءِ ] للجَرِّ في كلمة : [ بالمعروف ] ، للدَلاَلَةِ عَلى أَمْرٍ واحِـدٍ مَعْروفٍ هُوَ الـزَواجُ فقطْ وَ لِذَلِكَ جَاءَتْ كَلِمَةُ [ الـمعْروفِ ] مُعَرَّفَةٌ بِـ [ الْ ] ، لذلك هذه لآية الكريمة تتحدّث عن موضوع واحد هو : [ العدّة للمرأة ] .

مَوْضُوعُ النَفَقَـةِ : ( وَ الـذينَ يُتَوَفَّـوْنَ مِـنْـكُـمْ وَ يَذَرونَ أَزْواجَـاً وَصِـيَّـةً لأزْواجِـهِـمْ مَـتَاعَـاً إلـى الـحَـوْلِ غَـيْرَ إخْـراجٍ فَإنْ خَـرَجْـنَ فَـلاَ جُـنَاحَ عَـلَـيْـكُـمْ فِيمَـا فَعَـلْـنَ فـي أَنْفُـسِـهِـنَّ مِـنْ مَـعْـروفٍ )[ البقرة 240 ]

هذه الآية الكريمة تتحدّث عن [ الوصية المالية ] في حال وفاة الزوج ، و هذه الوصية تَكْفيهَا حل كامل ، كَيْ لاَ تَضْطَـرَّ المَرْأةُ للخُروجِ إلى العَمَـلِ ، و لذلك استخدم هنـا حرف الجرّ [ منْ ] ، و جاءت كلمة [ معروف ] غير معرّفة ب [ ال التعريف ] ، للدلالة على حالات عديدة أمام المرأة في البحث عن عمل شريف تقوم به بعد وفاة زوجهـا .

لذلك هاتان الآيتان لا [ تنسخان ] بعضهُمـا ، كمـا يقولون ، لأنّ كل آية تتحدّث عن موضوع مختلف عن الآخر .

كل هـذا و اللـه أعلم


     

(سورة الفاتحة) تفسير د.علي منصور الكيالي

سورة الفاتحة

هي سورة مكيّة ، ترتيبها في المصحف [ 1 ] ، و ترتيب نزولهـا [ 5 ] نزلت قبل سورة المسَـد و بعد سورة المدّثر ، و لهـا خواصّ تنفرد بهـا من بين جميع سُوَر القُرآن الكريم ، و من هذه الخواصّ :

سُـهُولَةِ قِرَاءَتِهَـا مِنْ كلّ اللُغَـاتِ لِخُلوِّهَـا مِنْ تَعْقيدَاتِ عِلْمِ التَجْويدِ : [ الإدْغامُ وَ الإخْفاءُ وَالإظْهَارُ وَالإقْلاَبُ وَالقَلْقَلَةُ وَأحْكَامُ الميمِ 000 وَ غَيْرِهَا ] ، كَمَا أنَّهَـا السُورَةُ الوَحيدَةُ التي تَتَوافَقُ مَعَ كُلِّ آيَاتِ القُرْآنِ الكَريمِ ، إِذْ يَجُوزُ قِرَاءَةُ أيِّ آياتٍ مِنَ القُرْآنِ بَعْدَهَـا أثْنَـاءَ الصَلَواتِ ، وَهِيَ السُورَةُ الوَحِـيدَةُ التي فَرَضَ اللّـهُ قِرَاءَتَهَـا [ 17 ] مَـرَّة عَلى الأقَلِّ في اليَوْمِ الواحِـدِ ، أثْنَـاءَ رَكَعَـاتِ الصَلاَةِ المَفْروضَةِ ، إذَا لَمْ نُضِفْ لَهَـا رَكَعاتِ صَلاَةِ السُـنَّةِ ، حَيْثُ يَجُوزُ قِراءَتِهَـا لِوَحْدِهَـا في لرَكَعَاتِ الأخِيرَةِ مِنَ الصَلَواتِ بَعْدَ الجُلُوسِ ، فَلاَ تَصِحُّ الصَلاَةُ بِقِراءَةِ أيِّ آيَـاتٍ مِنَ القَرْآنِ لِوَحْدِهَـا بِدُونِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَـةِ ، وَ لَـوْ قَرَأنَـا كُلَّ القُـرْآنِ دُونَ الفَاتِحَـةِ .

( الـحَـمْـدُ لِلَّـهِ )[ الفاتحة 2 ] ، تَمَّ تَقْديـمُ كَلِمَةِ الحَمْدِ عَلى لَفْظِ الجَلاَلَةِ ( للّه ) ، وَ هِيَ قِمَّةُ فَـنٍّ بَـلاَغِيٍّ يُسَمَّى : [ فَنُّ التَحْميـدَاتِ ] ، وَ [ الحَمْـدُ ] فيهِ مُنْتَهى التَواضُعِ الأخْلاَقِيِّ لِلإنْسَانِ مَعَ الآخَرينَ بِشَكْلٍ عَامٍّ ، وَ مَعَ خَالِقِـهِ بِشَـكْلٍ خَاصٍّ ، لِذَلِكَ جاءت : ( الـحَـمْـدُ لِلَّـهِ ) بِصِيغَةِ الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ التي تُفيدُ الثُبُوتَ وَالإطْـلاَق َ، فَهِيَ غَيْرُ مُرْتَبِطَـةٍ بِزَمَـانٍ أوْ مَكَانٍ أوْ مَادِحٍ مُعَيَّنٍ ، وَ هِيَ أوْلى مِنْ جُمْلَةِ [ حَمْدَاً ] بِصِيغَةِ النَكِرَةِ ذَاتِ الصِيغَةِ الفِعْلِيَّةِ ، وَ الحَمْدُ لاَ يَكُونُ إلاَّ لِلحَيِّ ، أمَّا المَيِّتُ أوِ الجَمادُ فَيُمْدَحُ فَقَطْ ، فَنَحْنُ [ نَمْدَحُ ] مَعْدَنَ الذَهَبِ مَثَلاً وَ لاَ [ نَحْمَدُهُ ] ، لِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ : [ المَـدْحُ لِلَّهِ ] ، وَ الحَمْـدُ لاَ يَأْتي إلاَّ بَعْدَ الإحْسَانِ للمَادِحِ وَغَيْرِهِ ، أمَّا [ الشُكْرُ ] فَيَكُونُ بِالإنْعَامِ الوَاصِلِ للشَاكِرِ فَقَطْ ، وَ لِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ : [ الشُكْرُ لِلَّهِ ] .

وَاللَّهُ سبحانه [ حَميدٌ ] بِذَاتِهِ دُونَ الحَاجَةِ لِحَمْدِ المَخْلُوقَاتِ لهُ : ( وَ كَـفَروا وَ اسْـتَغْـنى اللّـهُ وَ اللّـهُ غَـنِيٌّ حَـمِـيدٌ )[ التغابن 6 ] ، وَ قَدْ ذَمَّ اللهُ طَالِبي الحَمْدِ : ( وَ يُحِـبُّونَ أنْ يُحْـمَـدوا بِمَا لَمْ يَفْعَـلُوا )[ آل عمران 188] .

(غَـيْرِ الـمَـغْـضُـوبِ عَـلَـيْهِـمْ )[ الفاتحة 7 ] ، وَ منَ المغضوب عليهم قاتلي الناس : ( وَمَـنْ يَقْتُلْ مُـؤْمِـنَاً مُـتَعَـمَّـدَاً فَجَـزَاؤُهُ جَـهَـنَّمُ وَغَـضِـبَ اللّـهُ عَـلَـيْهِ وَ لَـعَنَهُ )[ النساء 93 ]

وَ مِنْهُمْ الكافـرين : ( فبَاءوا بِغَـضَـبٍ عَـلـى غَـضَـبٍ وَ لِلْـكَـافِـريْنَ عَـذَابٌ مُـهِـيْنٌ ) [ البقرة 90 ] .

( وَلاَ الـضَـالّـينَ )[ الفاتحة 7 ] ، وَ مِنْهُمْ الكافِرونَ : ( وَ مَـنْ يَـكْـفُرْ باللّـهِ وَ مَـلاَئِـكَـتِهِ وَ كُــتُبِهِ وَ الـيَوْمِ الآخِـرِ فَقَـدْ ضَـلَّ ضَـلاَلاً بَعِـيدَاً )[ النساء 136 ] ، وَ مُتَّبِعي الهَـوى : ( قُلْ لاَ أتَّبِـعُ أهْـواءَكُـمْ قَـدْ ضَـلـَلَـتُ إذَاً وَ مَـا أنَا مِـنَ الـمُـهْـتَدينَ قُـلْ إنَّي عَـلـى بَيِّنَةٍ مِـنْ رَبَّي )[ الأنعام 56 ] ، و الذينَ يقنطون من رحمة الله هُـم أيْضاً ضـالّون : ( وَمَـنْ يَقْـنَطُ مِـنْ رحْـمَة ربّهِ إلاّ الـضـالّونَ )[ الحجر 56 ] .