الثلاثاء، 7 أبريل 2015

(سورة الأنعام) تفسير د.علي منصور الكيالي (2)

            ســورة الأنعام (من اية 120 الى اخرها)

( وَإنَّهُ لَـفِسْـق )[ الأنعام 121 ] :

إنَّ ذِكْرَ اسْمَ اللهِ عَلى الطَعامِ أمْرٌ بالِغُ الأهَميَّةِ ، فَذِكْرُ اسْم اللهِ يُعَقِّـمُ الطعامَ مِنَ الجَراثيمِ وَ الفيروساتِ وَ الكريّاتِ البَيْضَاءِ الالْتِهابيّةِ الخَطِرَةِ عَلى الصِحَّةِ الإنْسانيّةِ : ( وَ لاَ تَأْكُـلُـوا مِـمّـا لَـمْ يُـذْكَـرِ اسْـمُ اللّـهِ عَـلَـيْهِ وَ إنَّهُ لَـفِسْـق )[ الأنعام 121 ] ، الفِسْـقُ هُوَ : الفاسِـدُ في أصْلِهِ ، لأنَّ اسْمَ اللّهِ اسْمٌ مُبَارَكٌ : ( تَبَارَكَ اسْـمُ رَبِّكَ ذِي الـجَـلاَلِ وَ الإكْـرامِ )[ الرحمن 78 ] ، وَ يُضْفي البَرَكَةَ عَلى الطَعامِ فَيَجْعَلَهُ نافِعَاً .
فَبَعْد إجْراءِ عَمليَّاتِ الاسْتِنْباتِ الجُرْثُوميِّ مِنْ قِبَلِ فَريقٍ طبّي وَ صَيْدَلانيّ مُخْتَص لِمُدَّةِ 48 سَاعة ، بَـدا لَوْنُ اللحْمِ المُكَبَّرِ عليْهِ زَهْريّاً فاتِحاً [ مِمّا يَدُلُّ عَلى عَدَمِ نُمُوِّ الجَراثيمِ العُنقوديَّةِ عليْهِ ] ، وَ اللحْمُ غَيْرِ المُكَبَّرِ عليْهِ أصبحَ أحْمَرَ قاتِماً يَميلُ للزُرْقَةِ [ نُمُوٌّ غَزيرٌ للمُكَوَّراتِ العُنْقُوديّةِ وَ الحَالّةِ للدَمِ ] ، وَ الأمْرُ صَريحٌ بالأكْلِ مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عليْهِ : ( فـَكُـلُـوا مِـمَّـا ذُكَـرَ اسْـمُ اللّـهِ عَـلَـيْهِ إنْ كُـنْتُمْ بِآياتِهِ مُـؤمِـنينَ مَـالَـكُـمْ لاَ تَأكُـلُـونَ مِـمَّـا ذُكَـرَ اسْـمُ اللّـهِ عَـلَـيْهِ )[ الأنعام 118 / 119 ] ، وَ عَدَمُ ذِكْرِ اسْم اللهِ عَلى الذَبائِحِ هُوَ افْتِراءٌ عَلى اللهِ : ( وَ أنْعَـامٌ لاَ يَـذْكُـرونَ اسْـمَ اللّـهِ عَـلَـيْهَـا افْـتِراءً عَـلَـيْهِ )[ الأنعام 138 ] ، وَ هيَ غَيْرُ قابِلَةٍ للتَزْكِيَةِ : ( حُـرِّمَـتْ عَـلِـيْكُـمْ الـمَـيْتَةُ وَ الـدَمُ وَ لَـحْـمُ الـخِـنْزيرِ وَ مَـا أُهِـلَّ لِـغَـيْر اللَّـهِ بِهِ وَ الـمَـوْقُوذَةُ وَ الـمُـتَرَدِّيَةُ وَ الـنَطِـيحَـةُ وَ مَـا أكَـلَ الـسَـبْعُ إلاّ مَـا ذَكَّـيْتُمْ وَ مَـا ذُبِحَ عَـلـى الـنُصُـبِ )[ المائدة 3 ] ، ( قُـلْ لاَ أَجِـدُ فـي مَــا أُوحِـيَ إلَـيَّ مُـحَـرَّمَـاً عَـلَـى طَـاعِـمٍ يَـطْـعَـمَـهُ إلاّ أنْ يَـكُـونَ مَـيْتَـةً أوْ دَمَـاً مَـسْـفُوحَـاً أوْ لَـحْـمَ خِـنْـزيرٍ فَـإنَّـهُ رِجْـسٌ أوْ فِـسْـقَـاً أُهِـلَّ لِـغَـيْرِ اللّـهِ بِهِ )[ الأنعام 145 ] ، ( أُحِـلَّـتْ لَـكُـمْ بَهِـيمَـةُ الأنْعَـامِ إلاَّ مَـا يُتْلـى عَـلَـيْـكُـمْ )[ المائدة 1 ] ، ( وَ أُحِـلَّـتْ لَـكُـمُ الأنْعَـامُ إلاَّ مَـا يُتْلـى عَـلَـيْـكُـمْ )[ الحج 30 ] ، إلاَّ مَـا يُتْلـى عَـلَـيْـكُـمْ : إلاَّ مَا حُرِّمَ بِنَصٍّ صَريحٍ .

( كَـانَ مَـيْتَاً فَأَحْـيَيْناهُ )[ الأنعام 122 ] :
مَيَّزَ القُرْآنُ الكريْمُ بَيْنَ إنْسَـانٍ [ يَحْـيَ ] وَ بَيْنَ إنْسَـانٍ [ يَعِيْـشُ ] ، فالحَيَـاةُ تَكُونُ دَوْماً [ طَيِّبَةً ] ، بَيْنَمَا المَعيْشَةُ لاَ تَكونُ إلاَّ [ ضَنْكاً ] ، فالعَيْـشُ هُوَ نِظامٌ حَركيٌّ يَصْلُحُ لِلعَيْشِ وَ لَيْسَ لِلحَيَاةِ : ( أَمْـواتٌ غَـيْرُ أحْـيَاءٍ وَ لَـكِـنْ لاَ يَشْـعُـرون)[ النحل 21 ] ، وَ أصْحَابُ جَهَنَّمَ يَعِيْشُونَ دُونَ حَياةِ : ( الـذي يَصْـلَـى الـنَارَ الـكُـبْرى ثُـمَّ لاَ يَمُـوتُ فِيْهَـا وَ لاَ يَحْـيَ ) [ الأعلى 13 ] ، لَكِنَّهُ يَعْيْشُ فيها وَ يَأْكُلُ الزَقُّومَ وَ يَشْرَبُ الحَميْمَ ، وَ قَدْ قالَ السَيِّدُ المَسيْحُ عليه السلام : [ دَعِ المَـوْتى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ ][ إنْجِيْل مَتّى 22 ] .
أمّا الحَيَـاةُ : هيَ أيْضَاً نِظَامٌ حَرَكيٌّ ، لكِنْ مَعَ وُجُودِ [ النُـورِ ] الإلَهيِّ لِتَحْقِيْقِ هَدَفٍ سَـامٍ : ( أ َوَمَـنْ كَـانَ مَـيْتَاً فَأَحْـيَيْناهُ وَ جَـعَـلْـنا لَـهُ نُوراً يَمْـشِـيِ بِهِ في الـنَاسِ )[ الأنعام 122 ] ، وَ تَكُونُ الحـيَاةُ بالعَمَلِ الصَالِحِ : ( مَـنْ عَـمِـلَ صَـالِـحَـاً مِـنْ ذَكَـرٍ أوْ أُنْثَى وَ هُـوَ مُـؤْمِـنٌ فَلَـنُحْـيِيَنَّهُ حَـيَاةً طَـيِّبَةً )[ النحل 97 ] ، وَ اخْتارَ اللّهُ اسْمَ النبي [ يَحْيَ ] : ( إنَّا نُبَشِّـرُكَ بِغُـلامٍ اسْـمُـهُ يَحْـيَ لَـمْ نَجْـعَـلْ لَـهُ مِـنْ قَبْلُ سَـمِـيّاً )[ مريَم 7 ] ، ( وَ إنَّ الـدارَ الآخِـرَةَ لَـهِـيَ الـحَـيَوانُ )[ العنكبوت 64 ] ، الحيوان : صيغة المبالغة من الحياة السامية .
( اسْـتَمْـتَعَ بَعْـضُـنَا بِبَعْـضٍ )[ الأنعام 128 ] :
إنّ جهنم هي لإبْليسَ وَ أتْبَاعَهُ مِنَ الجِنَّ وَالإنْسِ [ فَقَطْ ] ، فُهُمُ المَجْمُوعَةُ الكافِيَةُ لِمَلْءِ جَهَنَّمَ : ( وَ يَوْمَ يَحْـشُـرُهُـمْ جَـمِـيعَـاً يَا مَـعْـشَـرَ الـجِـنِّ قَـدِ اسْـتَـكْـثَرْتُمْ مِـنَ الإنْسِ ... وَ قَالَ أَوْلِـيَاؤُهُـمْ مِـنَ الإنْسِ : رَبَّنَا اسْـتَمْـتَعَ بَعْـضُـنَا بِبَعْـضٍ وَ بَلَـغْـنَا أَجَـلَـنَا الـذي أَجَّـلْـتَ لَـنَا قَالَ الـنَارُ مَـثْواكُـمْ خَــالِــدينَ فِـيْهَـا إلاَّ مَـا شَـاءَ اللَّـهُ )[ الأنعام 128 ] ، فَهيَ إذَاً لإبْليسَ وَ أتْبَاعَهُ مِنَ الجِنِّ وَ الإنْسِ فَقَطْ ، اسْـتَـكْـثَرْتُمْ مِـنَ الإنْسِ : أي بالضَـلالِ ، أَوْلِـيَاؤُهُـمْ : أي أوليـاءُ الشَـياطينِ مِـنَ الإنْسِ ، اسْـتَمْـتَعَ : أي تَجَاوَبْنَـا مع شياطين الجنّ و اتّبعناهم .

( قَـتْـلَ أوْلادِهِـمْ )[ الأنعام 137 ] :
كان الإنْسَانُ القديم يَنْذُرُ ذَبْحَ أَحَـدِ أبْنَائِهِ [ خَاصَّةً البِكْرَ مِنْهُمْ ] كَقُرْبانٍ للآلِهَةِ ، وَ القِصَّةُ الشَهِيْرَةُ عَنْ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، عِنْدَمَا نَذَرَ ذَبْحَ أَحَدِ أبْنائِهِ ، إذَا رَزَقَهُ اللّهُ / 12 / وَلَدَاً ذَكَراً ، وَ التَضْحِيَةُ في الأسَاسِ هيَ التَخَلِّي عَنْ شَيْءٍ ذِي قِيْمَةٍ ، وَ قَدْ بنيت في السابق مَحَارِقَ لِحَرْقِ أوْلادِهِمْ أحْيـاء ، وَ كَانَتِ الطُبُولُ تُدَقُّ بِقُوَّةٍ ، كَيْ يَطْغَى صَوْتُهَا عَلى صُراخِ الأَطْفالِ ، وَ هُمْ يُحْرَقُونَ أحْياء حتّى الموتُ : ( وَ كَـذَلِـكَ زَيَّنَ لِـكَـثِيْرٍ مِـنَ الـمُـشْـرِكِـيْن َ قَتْلَ أوْلادِهِـمْ ... فَذَرْهُـمْ وَ مَـا يَفْتَرونَ )[ الأنعام 137 ] ، ( الـذيْنَ اتَّخَـذُوا مِـنْ دُونِ اللّهِ قُرْبَانَاً آلِهَـةً )[ الأحقاف 28 ] ، وَ عِنْدَ الشُعُوبِ القَدِيْمَةِ [ الفينيقِيَّونَ ] مَثَلاً ، كَانَتْ التَضْحِيَةُ بِالوَلَدِ البِكْرِ ، وَ قَدْ وُجِدَ الكَثِيْرُ مِنْ عِظَامِ الأطْفالِ تَحْتَ أسَاسَاتِ المَنازِلِ وَ المَعَابِدِ ، حَيْثُ كَانَ الأطْفالُ يُقَدَّمُونَ ضَحَايَا عِنْدَ تَأْسِيْسِ البِنَاءِ ، وَ في قِرْطَاجَة أُحْرِقَ / 200 / طِفْل في وَقْتٍ واحِدٍ ، كَقُرْبانٍ للآلِهَةِ ، مِنْ أَجْلِ فَكَّ الحِصَـارِ عَنْهَـا .



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق