الثلاثاء، 17 مارس 2015

(سورة الفاتحة) تفسير د.علي منصور الكيالي

سورة الفاتحة

هي سورة مكيّة ، ترتيبها في المصحف [ 1 ] ، و ترتيب نزولهـا [ 5 ] نزلت قبل سورة المسَـد و بعد سورة المدّثر ، و لهـا خواصّ تنفرد بهـا من بين جميع سُوَر القُرآن الكريم ، و من هذه الخواصّ :

سُـهُولَةِ قِرَاءَتِهَـا مِنْ كلّ اللُغَـاتِ لِخُلوِّهَـا مِنْ تَعْقيدَاتِ عِلْمِ التَجْويدِ : [ الإدْغامُ وَ الإخْفاءُ وَالإظْهَارُ وَالإقْلاَبُ وَالقَلْقَلَةُ وَأحْكَامُ الميمِ 000 وَ غَيْرِهَا ] ، كَمَا أنَّهَـا السُورَةُ الوَحيدَةُ التي تَتَوافَقُ مَعَ كُلِّ آيَاتِ القُرْآنِ الكَريمِ ، إِذْ يَجُوزُ قِرَاءَةُ أيِّ آياتٍ مِنَ القُرْآنِ بَعْدَهَـا أثْنَـاءَ الصَلَواتِ ، وَهِيَ السُورَةُ الوَحِـيدَةُ التي فَرَضَ اللّـهُ قِرَاءَتَهَـا [ 17 ] مَـرَّة عَلى الأقَلِّ في اليَوْمِ الواحِـدِ ، أثْنَـاءَ رَكَعَـاتِ الصَلاَةِ المَفْروضَةِ ، إذَا لَمْ نُضِفْ لَهَـا رَكَعاتِ صَلاَةِ السُـنَّةِ ، حَيْثُ يَجُوزُ قِراءَتِهَـا لِوَحْدِهَـا في لرَكَعَاتِ الأخِيرَةِ مِنَ الصَلَواتِ بَعْدَ الجُلُوسِ ، فَلاَ تَصِحُّ الصَلاَةُ بِقِراءَةِ أيِّ آيَـاتٍ مِنَ القَرْآنِ لِوَحْدِهَـا بِدُونِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَـةِ ، وَ لَـوْ قَرَأنَـا كُلَّ القُـرْآنِ دُونَ الفَاتِحَـةِ .

( الـحَـمْـدُ لِلَّـهِ )[ الفاتحة 2 ] ، تَمَّ تَقْديـمُ كَلِمَةِ الحَمْدِ عَلى لَفْظِ الجَلاَلَةِ ( للّه ) ، وَ هِيَ قِمَّةُ فَـنٍّ بَـلاَغِيٍّ يُسَمَّى : [ فَنُّ التَحْميـدَاتِ ] ، وَ [ الحَمْـدُ ] فيهِ مُنْتَهى التَواضُعِ الأخْلاَقِيِّ لِلإنْسَانِ مَعَ الآخَرينَ بِشَكْلٍ عَامٍّ ، وَ مَعَ خَالِقِـهِ بِشَـكْلٍ خَاصٍّ ، لِذَلِكَ جاءت : ( الـحَـمْـدُ لِلَّـهِ ) بِصِيغَةِ الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ التي تُفيدُ الثُبُوتَ وَالإطْـلاَق َ، فَهِيَ غَيْرُ مُرْتَبِطَـةٍ بِزَمَـانٍ أوْ مَكَانٍ أوْ مَادِحٍ مُعَيَّنٍ ، وَ هِيَ أوْلى مِنْ جُمْلَةِ [ حَمْدَاً ] بِصِيغَةِ النَكِرَةِ ذَاتِ الصِيغَةِ الفِعْلِيَّةِ ، وَ الحَمْدُ لاَ يَكُونُ إلاَّ لِلحَيِّ ، أمَّا المَيِّتُ أوِ الجَمادُ فَيُمْدَحُ فَقَطْ ، فَنَحْنُ [ نَمْدَحُ ] مَعْدَنَ الذَهَبِ مَثَلاً وَ لاَ [ نَحْمَدُهُ ] ، لِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ : [ المَـدْحُ لِلَّهِ ] ، وَ الحَمْـدُ لاَ يَأْتي إلاَّ بَعْدَ الإحْسَانِ للمَادِحِ وَغَيْرِهِ ، أمَّا [ الشُكْرُ ] فَيَكُونُ بِالإنْعَامِ الوَاصِلِ للشَاكِرِ فَقَطْ ، وَ لِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ : [ الشُكْرُ لِلَّهِ ] .

وَاللَّهُ سبحانه [ حَميدٌ ] بِذَاتِهِ دُونَ الحَاجَةِ لِحَمْدِ المَخْلُوقَاتِ لهُ : ( وَ كَـفَروا وَ اسْـتَغْـنى اللّـهُ وَ اللّـهُ غَـنِيٌّ حَـمِـيدٌ )[ التغابن 6 ] ، وَ قَدْ ذَمَّ اللهُ طَالِبي الحَمْدِ : ( وَ يُحِـبُّونَ أنْ يُحْـمَـدوا بِمَا لَمْ يَفْعَـلُوا )[ آل عمران 188] .

(غَـيْرِ الـمَـغْـضُـوبِ عَـلَـيْهِـمْ )[ الفاتحة 7 ] ، وَ منَ المغضوب عليهم قاتلي الناس : ( وَمَـنْ يَقْتُلْ مُـؤْمِـنَاً مُـتَعَـمَّـدَاً فَجَـزَاؤُهُ جَـهَـنَّمُ وَغَـضِـبَ اللّـهُ عَـلَـيْهِ وَ لَـعَنَهُ )[ النساء 93 ]

وَ مِنْهُمْ الكافـرين : ( فبَاءوا بِغَـضَـبٍ عَـلـى غَـضَـبٍ وَ لِلْـكَـافِـريْنَ عَـذَابٌ مُـهِـيْنٌ ) [ البقرة 90 ] .

( وَلاَ الـضَـالّـينَ )[ الفاتحة 7 ] ، وَ مِنْهُمْ الكافِرونَ : ( وَ مَـنْ يَـكْـفُرْ باللّـهِ وَ مَـلاَئِـكَـتِهِ وَ كُــتُبِهِ وَ الـيَوْمِ الآخِـرِ فَقَـدْ ضَـلَّ ضَـلاَلاً بَعِـيدَاً )[ النساء 136 ] ، وَ مُتَّبِعي الهَـوى : ( قُلْ لاَ أتَّبِـعُ أهْـواءَكُـمْ قَـدْ ضَـلـَلَـتُ إذَاً وَ مَـا أنَا مِـنَ الـمُـهْـتَدينَ قُـلْ إنَّي عَـلـى بَيِّنَةٍ مِـنْ رَبَّي )[ الأنعام 56 ] ، و الذينَ يقنطون من رحمة الله هُـم أيْضاً ضـالّون : ( وَمَـنْ يَقْـنَطُ مِـنْ رحْـمَة ربّهِ إلاّ الـضـالّونَ )[ الحجر 56 ] .